و فيضه لا يتناهى، لأنه ينبوع الخيرات، مبدأ
البركات، و معدن الجود، و سبب كل موجود. فله الحمد و الثناء، و الشكر و العطاء.
فصل
و اعلم أيها الأخ البار الرحيم، أيدك اللّه و إيانا بروح منه، أن
النفس الكلية رتبتها فوق الفلك المحيط، و قواها سارية في جميع أجزاء الفلك و
أشخاصه بالتدبير و الصنائع و الحكم، و في كل ما يحوي الفلك من سائر الأجسام، و أن
لها في كل شخص من أشخاص الفلك قوة مختصة به، مدبّرة له، مظهرة منه أفعالها؛ و أن
تلك القوّة تسمّى نفسا جزئية لذلك الشخص.
مثال ذلك القوة المختصة بجرم زحل المدبّرة له، المظهرة منه و به
أفعالها يسمّى نفس زحل. و هكذا القوّة المختصّة بجرم المشتري، المدبّرة له،
المظهرة به و منه أفعالها يمسّى نفس المشتري. و على هذا المثال و القياس سائر
القوى المختصة بكوكب كوكب و جرم جرم من أجرام الفلك و أشخاصه، المدبّرة لها،
المظهرة بها و منها أفعالها تسمّى نفوسا لها.
و هذا هو حقيقة ما قد رمز إليه في الكتب الإلهية أنهم الملائكة و
الملأ الأعلى و جند اللّه الذين لا يعصون اللّه ما أمرهم و يفعلون ما يؤمرون.
و هذا هو حقيقة ما قالت الحكماء و الفلاسفة في تفصيل النفوس الجزئية
في عالم الأفلاك و الأركان المسمّين الروحانيين الموكلين بحفظ العالم و تدبير
الخلائق بإدارة الأفلاك و جريان الكواكب، و تصاريف الدهور و تغاير الأزمان، و
مراعاة الأركان، و تربية النبات و الحيوان و حفظهما.