فأما الفيثاغوريون فأعطوا كل ذي حق حقه، حتى
قالوا: إن الموجودات بحسب طبيعة العدد، يعنون أن الأشياء الموجودة منها ما هو
اثنان اثنان، و منها ما هو ثلاثة ثلاثة، و أربعة أربعة، و خمسة خمسة، و هكذا بالغا
ما بلغ.
و قالوا إن الواحد أصل العدد و منشؤه، و من الواحد يتألف العدد قليله
و كثيره و أزواجه و أفراده و صحيحه و كسوره، فالواحد هو علّة العدد، كما أن
الباري، جلت أسماؤه، علّة الموجودات و موجدها و مرتّبها و متقنها و متمّمها و
مكمّلها، و كما أن الواحد لا جزء له و لا مثل، كذلك أن الباري، جل ثناؤه، لا شريك
له و لا شبه و لا مثل، و كما أن الواحد موجود في جميع الأعداد محيط بها، كذلك أن
الباري، جل ثناؤه، شاهد على كل موجود محيط به؛ و كما أن الواحد يعطي اسمه لكل عدد
و مقدار، كذلك الباري، جل ثناؤه، أعطى الوجود لكل موجود؛ و كما أنه ببقاء الواحد
بقاء العدد، كذلك ببقاء الباري، جل ثناؤه، بقاء الموجودات و دوامها؛ و كما أن
بالواحد بعد كلّ عدد و مقدار، كذلك علم الباري تعالى محيط بكل شيء شاهد و غائب.
و قالوا: كما أن من تكرار الواحد نشوء العدد و تزايده، كذلك من فيض
الباري وجوده نشأة الخلائق و تمامها و كمالها؛ و كما أن الاثنين هو أول عدد نشأ من
تكرار الواحد، كذلك العقل هو أول موجود فاض من وجود الباري عز و جل؛ و كما أن
الثلاثة ترتّبت بعد الاثنين، كذلك النفس ترتبت بعد العقل؛ و كما أن الأربعة ترتّبت
بعد الثلاثة، كذلك الهيولى ترتّبت بعد النفس؛ و كما أن الخمسة ترتّبت بعد الأربعة،
كذلك الطبيعة ترتّبت بعد الهيولى؛ و كما أن السّتة ترتّبت بعد الخمسة، كذلك الجسم
ترتّب بعد الطبيعة؛ و كما أن السبعة ترتّبت بعد الستة، كذلك الأفلاك ترتّبت بعد
وجود الجسم؛ و كما أن الثمانية ترتّبت بعد السبعة، كذلك الأركان ترتّبت