و أنواعها، و ما الحكمة في كميّاتها على ما
هي عليه الآن و لم لم يكن أكثر من ذلك و لا أقلّ منه، و ذلك أن الباري تعالى لما
كان هو مبدع علّة الموجودات، و خالق المخلوقات و مخترعها، و هو واحد بالحقيقة من
جميع الوجوه، لم يكن من الحكمة أن تكون الأشياء كلّها شيئا واحدا من جميع الجهات،
و لا متباينة من جميع الوجوه، بل يجب أن تكون الأشياء كلّها واحدا بالهيولى، كثيرة
بالصورة، و لم يكن أيضا من الحكمة أن تكون الأشياء كلّها ثنائيّة و ثلاثية و
رباعية و خماسيّة و سداسية، و ما زاد على ذلك بالغا ما بلغ، بل كان الأحكم و
الأتقن أن تكون على ما هي عليه الآن بحسب الأعداد و المقادير، و كان ذلك هو في
غاية الحكمة و الإتقان، و ذلك أن من الأشياء ما هي ثنائية، و منها ما هي ثلاثية و
رباعية، و خماسيّات و مسدّسات و مسبّعات و مثمّنات و متسعات و معشّرات، و ما زاد
على ذلك بالغا ما بلغ.
فالأشياء الثّنائية مثل الهيولى و الصورة، و الجوهر و العرض، و
العلّة و المعلول، و البسيط و المركّب، و اللطيف و الكثيف، و المشفّ و غير المشفّ،
و المظلم و المنير، و المتحرك و الساكن، و العالي و السافل، و الحار و البارد، و
الرّطب و اليابس، و الخفيف و الثقيل، و الضارّ و النافع، و الخير و الشرّ، و
الصواب و الخطأ، و الحق و الباطل، و الذكر و الأنثى. و بالجملة من كل زوجين اثنين
كما قال اللّه تعالى: «وَ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ خَلَقْنا
زَوْجَيْنِ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ».
و أما الأشياء الثلاثية فمثل الأبعاد الثلاثة التي هي الطول و العرض
و العمق، و مثل المقادير الثلاثة التي هي الخطّ و السطح و الجسم، و مثل الأزمان
الثلاثة التي هي الماضي و الحاضر و المستقبل، و مثل العناصر الثلاثة التي هي
الممكن و الممتنع و الواجب؛ و مثل الأمور الثلاثة التي منها رياضية و طبيعية و
إلهية.