ثم اعلم أن السلطان الجائر قصير العمر، لأن اللّه قاصم كل جبار عنيد،
و مهلك كل مارد و معتد، و هو منصف المظلوم من الظالم، فإنه، جلّت قدرته، يقول في
بعض الكتب المنزلة: «أيها السلطان إنما جعلتك خليفتي في أرضي، و ألقيت عليك اسما
من أسمائي، و ملّكتك رقاب عبادي، و بسطت يديك في بلادي لتنصف المظلوم من الظالم.
فإذا كنت أنت الظالم و تعدّيت على الضعفاء من خلقي و المساكين من عبادي، و صرت أنت
الظالم، و هم المظلومون، فأنا ملك الملوك و سلطان السلاطين، و أنا آخذ الحق منك.
ثم آذن للمهلكين في إهلاكك و تخليدك في العذاب الأليم.» ثم اعلم أنك إن أقبلت على
شهوات الدنيا و ملاذّها، و اغتررت بما فيها من الطيبات و محاسن المرئيّات، و
اشتغلت بها عما لك فيه صلاح و نجاح في دار المعاد، يوشك أن يأتيك ما أصاب رجلا
اجتاز في طريق كان يسلكه في نهر جرّار ينحدر من جبال و عليه جسر يعبر عليه الناس.
و انه لما صار على ظهر الجسر، وقف ينظر إلى جريان الماء، فبينا هو كذلك إذ نظر إلى
سمكة كبيرة من أحسن أجناس السمك، فقال في نفسه: ما أنصرف في يومي هذا إلى بيتي
بأحسن من هذه السمكة، فأشويها و أجمع عليها أهلي و أولادي، و آكل منها أكلة طيبة.
و لكن أخشى من جريان الماء أن يحول بيني و بين السمكة. ثم قويت شهوته و رام مقام
السمكة بحيث يراها، و قويت طبيعته في أخذها، فنزع ثيابه و رمى بنفسه و غاص وراءها
إلى أن قبض على السمكة بإحدى يديه، و فرح بظفره بها، و اشتغل عن السباحة مخافة أن
تفلت السمكة منه، فغلبه الماء لشدة جريانه فزحزحه عن الموضع الذي نزل منه، و أشرف
على الهلكة. و شحّ على السمكة أن يفلتها و ينجو بنفسه، فلم يزل ذلك حاله و هو يروم
الخلاص بنفسه مع السمكة حتى حدره الماء إلى جرف