خلق الكرام، فقد قيل في المثل: لا مروءة
لضعيف و لا ضيافة عند جائع، و لا بدّ لنا من معاودته و مخاطبته.
فلما كان من الغداة أتاه جماعة الثعالب و قلن: يا أبا جعدة، إنا
جعلناك أميرا علينا و وليّا حتى لا يظلم بعضنا بعضا، و رجونا في فعلنا ذلك عدلك، و
في أول يوم عدلت بيننا في أول ولايتك، و أطمعتنا في مروءتك. ثم أتيناك أمس فدفعت
إلينا النصف مما دفعت في اليوم الأول، و أتبعته باليأس مما لنا عندك دفعة واحدة، و
أغلظت القول علينا، فانصرفنا عنك و قد ظننا بك خيرا، فكن عند ظننا بك، و لا تقصد
ظلمنا و نحن ضعاف، و قد أصابنا الجوع الشديد، و قد رزقنا اللّه تعالى هذا الرزق،
فكل منه ما يكفيك، و أطعمنا منه و تصدّق علينا، إن اللّه يحزي المتصدقين و لا يضيع
أجر المحسنين. فأبى عليها و ردّها و زاد في الغلظ لها و أيأسها من كل خير لها
عنده.
فلما لم تجد حيلة اجتمعن و قلن: كيف نعمل في أمر هذا الغادر الجائع؟
فاجتمعت آراؤهن على أن يرفعن أمرهنّ إلى الأسد إذ هو أقوى منه و هو
ملك السباع كلها، و أن يقصصن عليه قصّتهن من أولها إلى آخرها، و جعلن له الجمل
جعلا على إهلاكه، ثم يذهب كل واحد من هذه الثعالب بعد ذلك في طلب رزقه من ربه كما
وعد و له الفضل علينا. فاجتمعت على ذلك و حضرت عند الأسد، و قصت عليه القصة، و
تظلّمت من الذئب، فاغتاظ الأسد منه و أمرها أن تسير بين يديه، فأتوه و وجدوه باركا
على جثة الجمل يأكلها، فقبض الأسد عليه فقطعه قطعة قطعة و مزّقه، ورد جثة الجمل
على الثعالب و خلى بينه و بينهن. و لذلك قيل ما من طامّة إلّا و فوقها طامّة.