ثم اعلم أن الدين و الشريعة في أزمان النبي المبعوث، 7،
إلى قومه هما من اللّه تعالى، و لا يكون فيهما اختلاف و لا تباغض و لا عداوة، و
يكون رأي المؤمنين في زمانه رأيا واحدا، و تكون محبة بعضهم لبعض خالصة لا تشوبها
كدورة، و يكونون مطمئنين مساعدين على إقامة الدنيا و مجاهدة الكافرين؛ و إنما مجاهدتهم
الكفار لا لعداوة منهم للكفار، بل ليردّوهم إلى الحق، ليكون المسلمون فارغي البال
من كيدهم و نهبهم، و يقنعوا من الكفار بالجزية، إن لم يقبلوا الدين، لأنهم لا
يأمنونهم إن تركوهم و لم يطلبوهم في بعض الأوقات بالجزية، فقد قيل في المثل: إن
الروم إن لم تغز غزت. فهذا سبب قتالهم الكفار، و إلّا فليس لهم رغبة في سفك الدماء
و إتلاف النفوس و خراب الديار، و بالرغم منهم يجري ذلك على أبدانهم ضرورة لما
أعلمتك، لأن ظاهر هذا الفعل من فعل الأشرار الذين لا رأفة لهم و لا رحمة. و لذلك
كان رسول اللّه، صلى اللّه عليه و آله، إذا أراد قتال المشركين، أرسل إليهم من
ينذرهم و يحذّرهم و يبيّن لهم فساد ما هم فيه، و يدعوهم إلى ما معه من الحق، كما
أمر اللّه تعالى بقوله: «ادْعُ إِلى سَبِيلِ رَبِّكَ
بِالْحِكْمَةِ وَ الْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَ جادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ
أَحْسَنُ.» و أمره بالملاطفة فقال تعالى:
«وَ قُولُوا قَوْلًا سَدِيداً وَ قُولُوا لَهُمْ قَوْلًا مَعْرُوفاً.» و قال لموسى، 7، لما أرسله هو و هارون، 8،
إلى فرعون:
فلما أبوا و استكبروا، و قالوا: لا نرضى بدينك، و كانوا من أهل
الكتاب، أمرهم على بذل الجزية بعد أن تجري عليهم أحكامنا، و يكفّوا أذيتهم عنا،
ليكون إذلالا لهم، لئلا يحدّثوا أنفسهم بغلبتهم على المؤمنين، و يكون ذلك