و الغربان، و عداوة الكلب و السنانير، و هي
تهرّ بعضها على بعض، و تحسد بعضها بعضا كغلية السباع و الكلاب، و كما يفعل الملوك
و السلاطين لمن دونهم إذا غلبوا عليهم و أخذوا أموالهم، و كما تفعل الكلاب
بالسنانير التي تخالفها في الصورة إذا وصلت إليها و قدرت عليها، حسدا لها على ما
تأكله من دور الناس، و من الدّعة و الرفاهة التي هي فيها و محبة الناس لها و
إكرامهم إياها.
فهكذا أمور الدنيا، و أهلها الأشرار أعداء الأخيار، و الفقراء أعداء
الأغنياء، يتمنون لهم المصائب، و إذا قدموا على شيء من أموالهم أخذوه و نهبوه. و
كذلك أهل الشرائع المختلفة يقتل بعضهم بعضا، و يلعن بعضهم بعضا، كما يفعل النواصب
و الروافض و الجبريّة و القدريّة و الخوارج و الأشاعرة و غير ذلك. و كذلك في
الملّة العبرانية مثل العينيّة و السمعية، و في الملّة السريانيّة كالنّسطورية و
اليعقوبية و ما بينهما من الخلاف. و كذلك في الملّة الصابئية. و كذلك تجد
المختلفين في اللغات يستوحش بعضهم من بعض، و يثقل على كل واحد منهم ما لم يألفه من
لغة. و هذا لا يخفى على من تأمّله و تفكّر فيه.
ثم اعلم أنه لا يصلح بين أهل الديانات و لا يؤلف بين المتعاديات و لا
تزيل من النفوس العداوات و الأحقاد الطبيعية إلّا المعرفة بالحق الذي يجمعهم على
كلمة التقوى، و يدعوهم إلى سبيل اللّه تعالى كما قال سبحانه و تعالى:
«وَ اذْكُرُوا نِعْمَتَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ كُنْتُمْ
أَعْداءً فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ فَأَصْبَحْتُمْ بِنِعْمَتِهِ إِخْواناً» و قال تعالى لرسوله، 7:
«لَوْ أَنْفَقْتَ ما فِي الْأَرْضِ جَمِيعاً ما أَلَّفْتَ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ وَ
لكِنَّ اللَّهَ أَلَّفَ بَيْنَهُمْ» و قال تعالى: «إِخْواناً عَلى سُرُرٍ مُتَقابِلِينَ» و
قال تعالى: «يُحِبُّونَ مَنْ هاجَرَ إِلَيْهِمْ» و
قال تعالى: «قُلْ هذِهِ سَبِيلِي أَدْعُوا إِلَى اللَّهِ عَلى بَصِيرَةٍ
أَنَا وَ مَنِ اتَّبَعَنِي» فمن رأى نفسه معادية لطائفة
من الطوائف حنق عليها، فهو لا يزدرع الحقّ في قلبه، و لم تخالط الهداية ليّة.