كالغمغمة و المذلّة، فإن أبوا الجزية، فعند
ذلك أمرهم بقتالهم، و أمر أصحابه أن لا يبدءوا حتى يبدءوهم، و إذا ظفروا بهم أن لا
يقتلوا أسيرا حتى يعرضوا عليه الدين و الإسلام، فإن أبى ألزم الجزية، فإن أبى قتل.
و إذا ملكوا دار الكفر، و وضعت الحرب أوزارها، أمرهم أن لا يقتلوا
شيخا كبيرا، و لا صبيّا صغيرا، و لا امرأة إلّا أن يقاتلوا، و لا راهبا و لا
قسّيسا و لا شمّاسا و لا مطرانا و لا جاثليقا، و لا من يكون من خدم البيع و
الكنائس، كلّ ذلك رأفة بهم و رحمة عليهم. فمن أبى و استكبر و ناصب العداوة، أمر
بجهاده، فقال اللّه تعالى: «يا أَيُّهَا
النَّبِيُّ جاهِدِ الْكُفَّارَ وَ الْمُنافِقِينَ وَ اغْلُظْ عَلَيْهِمْ.» أ لا ترى، أيها الأخ، إلى هذه الرأفة أنه لم يأمره بقتالهم إلّا بعد
إنذارهم و تذكارهم و الملاطفة بهم، و ذلك سنّة اللّه في الذين خلوا من قبل و لن
تجد لسنّة اللّه تبديلا كما قال تعالى: «سُنَّةَ مَنْ
قَدْ أَرْسَلْنا قَبْلَكَ مِنْ رُسُلِنا.» و قال:
«إِنْ مِنْ أُمَّةٍ إِلَّا خَلا فِيها نَذِيرٌ.» و آيات كثيرة في القرآن في هذا المعنى.
فما دام هذا الخلاف واقعا في الآراء و المذاهب، فإن العداوة بينها
قائمة، و الحرب لا تنطفي نارها، لأن كل واحد يقيم الحجة و الدليل برأيه و قياسه
على صحة مذهبه و بطلان مذهب غيره، و لا يبالي أن يكذب على اللّه تعالى و رسوله، و
يسخطهما لرضى نفسه و تعجيل منفعته.
و كذلك السلطان الذي إذا رأى في أحد رعيته أو بعض سكان مدينته من له
نعمة حال، رغب فيها و حسده عليها، و طلبه عليها الحجج حتى يوقع به، و يأخذ ذلك
الغرض اليسير الحقير في جنب ما ملّكه اللّه تعالى من ذلك البائس، و يجعله فقيرا
مسكينا متحيّرا مغتمّا، و ربما مدّ عليه الضرب و طالبه بما ليس في وسعه فقتله.
و كذلك إذا علم أن رجلا له امرأة نظيفة أو جارية حسنة، حسده عليها، و
لا يزال يتحيّل إلى أن يفسدها عليه، فإن صحّ له مراده، و إلّا عدل عن