و حسن حاله في الدنيا، فبذلك تكون إماتتها و
خسران آخرتها، و تحيط بها سيئات ما عملت في البستان، و قبائح ما اكتسبته في
الدنيا، و تكون من تناول الشهوات غافلة عن مصلحتها، متردّية في ضلالتها، حتى
تأتيها ملائكة اللّه الغلاظ الشداد و زبانيته و جنوده، و تخرجها من دار الدنيا
بالكره و الإجبار، فعند ذلك تندم على ما عملت من سوء، و من قبائح ما اكتسبته من
سوء آدابها، و قد خسرت الدنيا و الآخرة. ذلك هو الخسران المبين.
و عند نزع النفس يأتيها الخبر، و ينجّي اللّه الذين اتّقوا بمفازتهم
لا يمسّهم السوء و لا هم يحزنون.
فاحذر، أيها الأخ، أن لا تغترّ بهذه الدنيا، و لا بمصاحبة الجسد
الفاني المضمحل المتغير الفاسد، و إنما هي أيام يسيرة، و لذّة حقيرة، و مدّة
قصيرة، و اعدل إلى الحق و العقل، فإنهما يؤدّيانك إلى ربك و يدلّانك على الأعمال
الصالحة التي يكون لك بها الدرجة العليا و الوصول إلى الجنة المأوى في مقام الكرام
حيث لا تحتاج إلى جسدك الفاني، و لا تذوق الموت، و لا يصل إليك الألم، و لا يجدّ
بك السّقم، و لا تبتلى بمفارقة الأحباب و بمباينة الأصحاب، و لا يلحقك غمّ الفقر و
لا ذلّ القهر و لا ضيق القبر، و لا كرب الاشتياق، و تكون في حظيرة القدس و روضة
الأنس آمنا من المصائب و النكبات و حوادث الزمان، و لا ترى إلّا ما تحب و تؤثر، و
تأمن من النوائب الزمانيّة و ما يدفع إليه أهل الدنيا من الكدر و النصب و التعب و
العناء و الجوع و السغب و نكد الزمان و جور السلطان و حسد الحيوان، و ما هو موجود
بين أهل الديانات و المقالات من العداوات و المباغضات و الملاعنات، و ما يستحلّ بعضهم
من بعض من سفك الدماء و أخذ الأموال و هتك الحرم.
فإذا تأملت في أمور الدنيا، وجدتها كدار قد ملئت أجناس حيوانات تعادي
بعضها بعضا عداوة طبيعية مركوزة في الجبلة كعداوة البوم