الثمار و الفواكه من حيث لا أضرّ ببستان
صاحبي و لا أضرّ به، و لا أرتكب ما نهى عنه لئلا تأكلا إلّا من حلّة.
فقالا: سمعا و طاعة! و تركاه حتى غاب الناطور، و عادا إلى ما كانا
عليه، بل أقبح. فرجع الناطور و رأى أثر فسادهما، فأعاد عليهما النصيحة و وعظهما و
خوّفهما بالله تعالى، فلم يقبلا و ارتكبا ما نهاهما عنه. فاتفق دخول صاحب البستان
إليه ذلك اليوم، فلم يجد الناطور بدّا من إعلامه بما كان من أمر الأعمى و المقعد.
فقال صاحب البستان: قد كنت أقدّر أن يركب المقعد ظهر الأعمى، و يطوف به في
البستان، فيفسدا علي المعيشة.
فقال له الناطور: هكذا عملا، و قد نهيتهما فما انتهيا.
فقال صاحب البستان: إنهما قد استحقا العقوبة بما فعلا من قبيح ما
ارتكباه.
ثم أمر عبيده و أعوانه أن يعاقبوا المقعد و الأعمى أشدّ العقوبة، و
أن يخرجوهما من البستان إلى بريّة لا يجدان فيها معتصما و لا ملجأ، حتى يأكلهما
الوحش و يهلكهما الجوع و العطش. ففعل بهما ذلك و أخرجا من البستان و رمي بهما في
البرية كما فعل بآدم و حواء، 8، لما ذاقا الشجرة.
تفسيره- فاعلم، أيها الأخ، أنه إذا ضربت حكماء الهند هذا المثل، فما
ذلك إلّا لأنهم شبّهوا النفس بالمقعد، و ذلك لأنها لا تبطش إلّا بالآلة الجسدانية،
و بهذه الآلة تتمكن من الطاعة و المعصية. و شبهوا الجسد بالأعمى، و ذلك أنه ينقاد
حيث ما تقوده النفس، و يأتمر لما تأمره به. و شبهوا البستان بدار الدنيا، و الثمار
بطيّبات الدنيا من الشهوات، و صاحب البستان هو اللّه تعالى. و شبهوا الناطور
بالعقل الذي هو يدلّ على المنافع، و يأمر بالعدل و الإحسان، و ينهى عن الفحشاء و
المنكر و العدوان، و هو ينصح النفس و يدلها على ما يكون لها به من الصلاح و
السلامة في الدين و الدنيا جميعا، و أخذ الأشياء من حيث يجب. فإذا لم تقبل النفس
منه و عدلت إلى الشهوات الجسمانية و المحاسن الطبيعية و الملاذّ الجرمانية التي
يكون بها صلاح الجسم