بحسب اتفاقات تقع لهم في مواليدهم و بقاعهم
و أمزجتهم و طباعهم و أبدانهم و أهويتهم، حتى صارت أنواعا كثيرة، و صار لكل قبيلة
من قبائل العرب لغة يعرفون بها، و كلام ينسب إليهم و يتميزون به عن غيرهم. و
اختلفوا في أسماء الأشياء، حتى صار الشيء الواحد من الموجودات له في لغة العرب
أسماء كثيرة يعرف بها و يشار إليه بها كلّها، و لذلك صار علم اللغة العربية من
العلوم الكبار، و صار الناس من الحاجة إليه بحيث لا يسعهم تركه، بل يجب عليهم
علمه، و لا ينبغي الجهل بشيء منه، و ذلك من حكمة البارئ تعالى أنه خلق الموجودات،
و ألقى عليها الأسماء و الصّفات، و جعل لها في كل طائفة و في كل لغة أسماء تعرف
بها و يشار بها إليها خلاف ما في لغة أخرى.
و لو تأملت و اعتبرت لغات العرب، لرأيتها من العجائب الطريفة، و
الحكمة الشريفة. فانظر كيف اختلفوا في كثير من كلامهم و ما هم محتاجون إليه من
أسماء مأكولهم و مشروبهم، و قد جمعتهم لغة واحدة، و شريعة واحدة، حتى إن القرّاء
اختلفوا في قراءاتهم و تباينوا في رواياتهم.
و كذلك تجد في اللغات غير اللغة العربية أكثر، و الأمر فيها أصعب، و
على هذا المثال في الآراء و الديانات أيضا، حتى إن كثيرا من العرب الذين يسكنون
البراري البعيدة من العمران من يجري في لغته أسماء كثيرة لا يعرفها من باقي العرب
أكثرهم، و لا يعرفها العرب الحاضرة إلّا بعد البيان و الإيضاح، و يحتاج فيه إلى
معرفة اشتقاقاتها، حتى تتصوّر له، ثم يسمّي ذلك الشيء بذلك الاسم، كل ذلك لعلل و
أسباب يطول شرحها.
و كذلك اختلفت المذاهب و الآراء و الديانات و الاعتقادات فيما بين
أهل دين واحد، لافتراقهم في موضوعاتهم، و اختلاف لغاتهم و أهوية بلادهم، و تباين
مواليدهم، و تصوّر رؤسائهم و علمائهم و أستاذيهم الذين يختلفون فيما بينهم طلبا
لرئاسات الدنيا. و قد قيل في المثل خالف تذكر، لانه لو لم يقع بين رؤساء علمائهم
الاختلاف، لم تكن لهم رئاسة، و كانوا شرعا سواء،