ثم اعلم أن لكل أهل ملّة و شريعة كتاب بأمر و نهي، و حلال و حرام، و
قضايا و أحكام، و صناعة من الكلام و الكتابة و الألحان و النغمات.
و فيهم من هو عارف بكليّة ذلك، و منهم دونه في المعرفة، و منهم من قد
عدم صناعة الكتابة إلّا أنه عارف بالأسماء و المسمّيات، و ينطق بحروف الأسماء، و
لا يعرف صورها، و لا يحسن أن يخطّها بيده، و لا أن يؤلّف بينها بنظره، و يأخذ جميع
ما يلقى إليه تلقينا، و ربما تجده جيّد الخطّ، قليل المعرفة و لا يحسن سوى الخط
المسطور من غير تصوّر، و يكون منفعة ذلك لغيره لا له.
و منهم من يكون جيّد المعرفة، قليل النسيان، فغرضه أن يعرف الأشياء
التي يحتاج إليها مخافة أن ينساها، و يستظهر منها ما تدعو حاجته إليه.
و كذلك كان آدم، 7، في البداية بهذه الصفة، يحفظ أسماء
الحروف، و يتكلم باللفظ، و ينطق بالمعنى و يدلّ عليه، و لم يخطّ بيده بقلم ما شاء
اللّه؛ بقي على ذلك إلى أن أظهر اللّه تعالى صناعة الكتابة، في الوقت الذي قدّره،
و الزمان الذي يسّره، و الخلق لا تدري بصناعة الكتابة، لطفا منه بخلقه و رأفة
بعباده.
و اعلم بأن لهم من الحاجة إلى ذلك ما لا غنى عنه، و لا بد لهم منه،
فصار يحدث في وقت كل قران، و بموجب كل زمان نوع من أنواع الكتابات، و جنس من أجناس
اللغات و الخطوط و العبارات. و يحدث في ذلك من كل أمة و كل لغة أنواع الكلام و
النّظم و الألحان و النغمات، و أشياء كثيرة لا يحصيها إلّا اللّه عز و جل.
ثم اعلم أنه قيل إن أوّل من نطق باللغة العربية كان يعرب بن سام، ثم
لم تزل تتسع مع الزمان و تتزايد على كثرة العرب و انتشارهم في الأرض،