أخرى بشكل موافق لكلامهم و لسانهم؛ و هكذا
لليونانيين و لاهل فارس و غيرهم من الأمم أجناس من اللغات و فنون من العبارات. و
لكن أصل الحروف كلها في أي لغة كانت و بأي نقش صوّرت، و إن كثرت و تنوعت، هو الخطّ
المستقيم الذي هو قطر الدائرة، و الخط المقوّس الذي هو محيط الدائرة كما ذكرنا
قبلا. و أما سائر الحروف، فمركبة منها، و لو تأملت عند انفكاك الحروف العربية،
وجدت بعضها خطّا مستقيما كالألف، و بعضها مدوّرا كالقاف و الميم، و بعضها مقوّسا
كالحاء و الخاء. و على هذا المثال توجد كتابات سائر الأمم الذين ذكرناهم، و غيرهم
ممن لم نذكرهم، و قد استغنينا بذكر الأصل و المشهور المعروف عند الجمهور عن ذكر من
سواهم لطول الشرح.
فصل
ثم اعلم أن صناعة الكتابة ذات طرفين، طرف كأنه البداية، و طرف كأنه
النهاية. فالطرف الأول هو الكلام و النّطق بالحروف التسعة التي يستعملها أهل الهند
إلى وقتنا هذا. و الطرف الآخر الذي هو النهاية، فهي الحروف الثمانية و العشرون التي
هي حروف اللغة العربية و ما سوى ذلك فهو بين هذين الطرفين.
و إنما مثل الحروف كمثل شجرة نبتت و تفرّعت و تفرقت فروعها، و كثرت
أوراقها و ثمارها، و تقسّمها الأقوام، فأخذ كلّ قوم بحسب ما اتفق لهم في أصول
مواليدهم، و بحسب اجتهاد رئيسهم، و ما أعمل فيه فكرته و أنتجته قريحته، و أوجبته
رويّته بتأييد ربه تعالى و إلهامه، فيأخذ صور هذه الحروف، فيلقي عليها أسماء من
ذاته، فإن كان حكيما، فبتأييد اللّه له و إلهامه، و إن كان نبيّا مرسلا كان بوحي
اللّه إليه و كلامه من وراء حجاب