العالم السّفليّ مثل آدم و حواء فهما
الأبوان الذكر و الأنثى، و الأنثى مرتّبة تحت الذكر و من بينهما كان العالم. و
كذلك الحيوانات كلها و أشكال النبات لا تخرج عن هذا الحدّ و الشكل، و صورة الإنسان
شبه الخط المستقيم، و صورة الحيوانات شبه الخط المقوّس، و النبات و الحيوان
مرتّبان تحت الإنسان. و هكذا عالم الأفلاك و سكان السماوات أشكالها مستقيمة، و
صورها كاملة، فهم الخط المستقيم، و ما دون فلك القمر بمنزلة الخط المعوجّ. و هكذا
يوجد في الأعداد الناشئة من الواحد و الاثنين، فالواحد كالخط المستقيم، و الاثنان
كالمعوّج، و هما أصل الأعداد و ينبوعها، و عنهما يكون تزايدها و نماؤها.
فصل
ثم اعلم أن لسان الإنسان إذا كان متحركا إلى جهة كل حرف من هذه
الحروف الثمانية و العشرين، يخرجه من تلك الجهة، و لا يعدل به إلى غيرها، و لا
يخلط بعضها ببعض، و لا يحيلها عما هي به في اللفظ، فهو لسان صحيح و كلام فصيح من
جهة بيان الحروف و وضعها على ما هي به في أي كتابة كانت و بأي لغة اتفقت كان
الكلام بها. و أصح الكتابات و أتمّها و أحسنها ما كانت على النسبة الفاضلة في
وضعها و مقادير حروفها بعضها من بعض.
و قد ذكرنا من هذا الفن طرفا في رسالة الموسيقى، و يختص بهذا المكان
شيء من ذلك بعينه ليكون دلالة على ما قاله أهل صناعة الكتابة في لغة العرب إذ
كانت تمام اللغات. و ليس بنا حاجة في وقتنا إلى كتابة غيرها و لا إلى لغة سواها،
غير أنّا نحب الإحاطة بجميع العلوم و معرفة سائر اللغات و تعلّم سائر أنواع
الكتابات. و لذلك وضعنا لهم هذه الرسالة لتكون مهذّبة لنفوسهم، مؤدّبة لأخلاقهم، و
جعلناها مقدّمات و مداخل و طرقات إلى سائر المعلومات و المصنوعات من المعقولات و
المحسوسات.