فمن الموجودات التي عدّتها ثمانية و عشرون
في العالم الكبير منازل القمر فإنها ثمانية و عشرون منزلا، أربعة عشر فوق الأرض، و
أربعة عشر تحت الأرض، و هي في موضع اليمين و اليسار، منها أربعة عشر في البروج
الشّمالية، و أربعة عشر في الجنوبية من البروج.
و كذلك يوجد في جسم الإنسان أعضاء مشاكلة لهذه العدّة، لأن اللغة
التامة لغة العرب، و الكلام الفصيح كلام العرب، و ما سوى ذلك ناقص.
فاللغة العربية في اللغات مثل صورة الإنسان في الحيوان. و لما كان
خروج صورة الإنسان آخر صور الحيوانية، كذلك كانت اللغة العربية تمام اللغة
الإنسانية و ختام صناعة الكتابة. و لم يحدث بعدها شيء ينسخها و لا يغيّرها و لا
يزيد عليها و لا ينقصها. و في كل أمة و بكل إقليم و جزيرة و موضع أهل خطّ و حروف و
كتابات و علامات، يجمعها كلّها هذه الثمانية و العشرون حرفا. و لو لا خوف الإطالة
لأتينا على ذكر كثير من اللغات و كتابات أهلها و أعداد حروفهم، مثل ما يوجد في
اللغة السّريانية و العبرانية و اليونانية و الرومية و ما يتفرع منها و يتكون عنها
في سائر الأجناس و الأمم من بني آدم.
ثم اعلم أن أصل هذه الحروف كلّها و الخطوط بأجمعها خطابان لا ثالث
لهما، و من بينهما و منهما و عنهما تركّبت هذه الحروف، حتى بلغت إلى نهاياتها
كحدوث الإنس كلهم من الشخصين اللذين هما آدم و حواء، 8.
و كذلك العالم بأسره، السماوات و من فيها و الأرض و من عليها من
جوهرين و هما السابق و التالي، أو البسيط و المركب، و هما العقل و النفس.
و اللّه تعالى مبدعهما و هو الواحد المنزّه عن جميع ما حدث منهما،
المتعالي بكبريائه عنهما، و ذلك من الخطّ المستقيم الذي هو قطر الدائرة، و الخطّ
المقوّس الذي هو محيطها. فأول الحروف هو الخط المستقيم الذي هو الألف، و الثاني
الباء، و بإزائه في العالم العلويّ السابق و هو العقل، و التامّ هو النفس.
و ذلك أن النفس مرتبة تحت العقل، و من بينهما كان حدوث الأشياء كلها
في