عمن سواها، و بلغة عن غيرها، و نوضح ذلك
إيضاحا يكون لك به الاطلاع على ما أردت منه و سألت عنه.
فصل في معرفة بداية الحروف
فنقول: اعلم أن اللّه تعالى لما خلق آدم، 7، الذي هو أبو
البشر و مبدؤه، جعله ناطقا متكلما فصيحا مميّزا بالقوة الناطقة و الروح الشريفة و
القوة العاقلة القدسيّة، و جعل صورته أحسن الصور، و شكله أفضل الأشكال، و طبيعته
أصفى الطبائع الأرضيّة، و مزاجه أعدل الأمزجة مما هو خارج عنه؛ و جعله سيد
الحيوانات كلها، و مليكا عليها و أميرا و رئيسا فيها، و ملّكه إياها، و ألزمها
طاعته، و السجود له طوعا و كرها، كما قال تعالى للملائكة:
«إِنِّي جاعِلٌ فِي الْأَرْضِ خَلِيفَةً»
فلما جعله بهذا المثال، فليس من الحكمة أن يكون صامتا كالجماد، و لا سكوتا
كالحيوان الذي لا ينطق، بل قائما ناطقا متكلما معلّما مفهّما عاقلا حكيما، لأنه،
سبحانه و تعالى، نفخ فيه من روح قدسه، و أيّده بكلمته، و علّمه الأسماء كلّها و
صفات الأشياء كلها، و جعل له العقل العاقل لها و المحيط بمعرفتها، و أخرج سائر
الموجودات من المعادن و النبات و الحيوان إليه ليديرها و يسوق إليه منافعها و
يدلها على ما يكون به صلاحها و بقاؤها و تزايدها و نماؤها و سلامتها من الآفات، و
يضع كلّ شيء منها في موضعه و يوفّيه قسطه من حفظ النّظام و بلوغ التمام. و جمع له
هذه الأشياء كلها صغيرها و كبيرها، جليلها و حقيرها، في تسع علامات بأشكال مختلفة
مسمّاة بأسماء قد جمعت أسماء جميع الموجودات، و انعقدت بها المعاني كلّها كما
اجتمعت أجزاء الحساب كلّها و الأعداد بأسرها في التسعة الأعداد التي من واحد إلى
تسعة. و كذلك وجودها في العالم العلويّ على هذه النسبة. و هذه الحروف هي التي
علّمها اللّه، سبحانه و تعالى، آدم عليه