الطباع و اتفاقات في المواليد. و الأصوات
الحسان المعتدلة تستلذها مسامع الحيوان و تأنس بها الأرواح و تسكن إليها النفوس. و
الأصوات الخارجة عن الاعتدال عند الحيوانات كلها بالعكس من ذلك. و كل جنس من أجناس
الحيوان فإنما يأنس و يسرّ بما كان من نغمات جنسه و يجتمع به و يألفه بحسب ما جرت
عادته و ألفت طباعه، و ينفر من صوت آخر يكون من جنس غيره و لم تجر عادته بسماعه و
لا ألفته. و كذلك جميع الأمم من أصناف الناس.
و إذ قد فرغنا من ذكر اختلاف الأصوات و بيانها و صفاتها و حركاتها و
المنفصل منها و المتصل، و الفرق بين أصوات الحيوان و كلام الإنسان، و أصوات
الأشجار و المعادن و كيفيّة أصواتها و مصوّتاتها، و ما يكون منها بالقصد الأول و
غير القصد، و أصوات النار و الهواء و الماء و الحركات الصغار و الكبار، الخفيف و
الجهير، و طبائعها و مضارّها و منافعها، و كيفية حمل الهواء لها و قبول الحاسة
السامعة لها، و كيفية اختصاصها بها دون سائر المحسوسات، و ما بين الإنسان و
الأصوات في إدراكه لها من الوسائط و المناسبات؛ و ذكر علل هذه الأشياء و معلولاتها
و جواهرها و أعراضها و بدايتها في الأصول، و كونها في شكل واحد فيما علا، و وجودها
في أشكال كثيرة فيما دني، و اتفاقها في الأصول، و اختلافها في الفروع، و تشكّلها
بأشكال الأجسام البادية عنها، و الآلة المتخذة لها و الحاجة الداعية إليها، و
المعاني الموضوعة عليها و الحقائق المضمّنة بها، و ما منها مفهوم لا يحتاج سامعه
إلى من يعرفه لوضوحه و تمامه، و ما يحتاج السامع إلى من يفهمه إياه لانغلاقه و
كتمانه.
و إذ قد أتينا على كثير مما يحتاج إليه في هذا الباب، فلنذكر الآن
اختلاف اللغات من جهة الحروف و الكتابات، و كيف كان مبدؤها، و من أين كان منشؤها،
و العلة في اختلافها و أوزانها، و انفراد كل أمة بشكل منها