لأرواحهم، لا لقياسات منطقية و لا برياضات
حكمية مثل الأدوية الشافية و العقاقير النافعة يدرون سبب شفائها و خاصيّة منفعتها.
ثم اعلم أن من سنّة الناموس و الآداب الحسنة تناول الطعام الذي هو
غذاء الجسد بثلاثة أصابع، فهذه السّنّة كأنها إشارة من واضع الناموس للنفوس و
التنبيه لها و الحثّ على أنه واجب طلب العلوم من ثلاث طرقات، لأن العلم غذاء
النفس، كما أن الطعام غذاء الجسد. و أحوال النفس مماثلة لأحوال الجسد لشدة اقتران
ما بينهما. فأحد الطرق التي تنال بها النفس العلوم قوّة الفكر الذي تدرك به النفس
الموجودات المعقولات. و من هذا الطريق أخذت الأنبياء، :، الوحي من
الملائكة. و الطريق الآخر السمع الذي تقبل به النفس معاني اللغات، و ما تدلّ عليه
الأصوات من الأخبار الغائبة. و الآخر طريق النظر الذي به تشاهد النفوس الموجودات
الحاضرة.
فهذه الثلاث الطرقات يجب أن تتناول العلوم بها كما بينّا و كما
نبّهنا اللّه، عزّ و جلّ، و قال: «جَعَلَ لَكُمُ
السَّمْعَ وَ الْأَبْصارَ وَ الْأَفْئِدَةَ قَلِيلًا ما تَشْكُرُونَ» و ذمّ من لا ينتفع بالنّعم فقال:
«لَهُمْ قُلُوبٌ لا يَفْقَهُونَ بِها وَ لَهُمْ أَعْيُنٌ لا يُبْصِرُونَ بِها وَ
لَهُمْ آذانٌ لا يَسْمَعُونَ بِها أُولئِكَ كَالْأَنْعامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ» و قال:
«صُمٌّ بُكْمٌ عُمْيٌ» فهم صمّ عن الحقائق،
بكم عن الدقائق، عمي عن المبصرات المعنوية العقلية بعين القلب. و ليس يريد بهذا
الذمّ بحيث أنهم لا يسمعون الأصوات، و لا يبصرون الألوان، و لا يعرفون و لا يفقهون
أمر المعاش، بل إنما ذمّهم بحيث أنهم لا يعقلون أمر المعاد كما قال تعالى:
و اعلم أن العلم قنية للنفس كما أن المال قنية للجسد، لأن المال يراد
لصلاح أمر الجسد، و العلم يراد لصلاح أمر النفس. فمتى لم تنل النفس العلم من هذه
الطرقات الثلاث، و ذلك تناوله بثلاثة أصابع، إلّا من طريقة واحدة أي بإصبع واحد،
فمثله كمثل المريض الذي ليس له حظّ من ماله إلّا الثّلث، لأن