المريض واقف بين رجاء الحياة و خوف الممات.
و هذا مثل أهل التقليد الذين لا يعرفون أمر الدين إلّا من طريق السمع، فهم موقوفون
بين الشك و اليقين.
و الشكّ مرض النفوس، و اليقين صحتها، فهؤلاء ليس لهم من العلم إلّا
الشكّ من أجل مرض نفوسهم.
ثم اعلم أن السائلين اثنان: سائل سأل حاجة من عرض الدنيا لصلاح الجسد
المستحيل الفاني، و سائل سأل مسألة من العلم يكون فيه خلاص النفس من ظلم الجهل، و
إصلاح الدين و أمر المعاد، و طلب نعم الآخرة الباقي.
و هكذا المجالس اثنان: مجلس للأكل و الشرب و الغناء و اللذات الجسمانية
من نبات الأرض و لحوم الحيوان لصلاح هذا الجسد المستحيل المتغير الفاني، و مجلس
للعلم و الحكمة و السّماع و اللّذات من نعيم الآخرة الباقية للنفوس الخالدة التي
لا يبيد جوهرها، و لا تفنى لذتها، و لا ينقطع سرورها.
ثم إن كل ما يؤكل من الطعام و الشراب يتبين النقصان في مال صاحبه.
و إذا أكل و شرب قدر ما بلغ الشّبع و الرّيّ و زاد على ذلك، صارت
اللذة ألما. و إذا مكثت تلك المأكولات المشتهيّات في المعدة ساعة و استمرأت، و
أخذت الأعضاء كلّ واحد قسطا منها، تغير ما بقي و استحال، و احتيج إلى إخراجها، و
إلّا صارت اللذة ألما و مشقّة و مرضا و أعلالا.
و أما مجالس العلم و الحكمة و الاستماع منها فليست تملّ النفس منها،
لأنها لذات روحانية من نعيم الآخرة و أنموذجها و لا ينقص من علم العالم المرشد، و
إن كثر المتعلمون و السامعون، لأنها من كنوز رموز الآخرة.