و الماء أيضا ذو طرفين، طرفه الاعلى متصل
بالهواء و هو بالحياة أشبه، و طرفه الأدنى متصل بالتراب، و التراب لا حياة فيه و
لا حركة له. فالطرف المتصل بالتراب بالموت أشبه، و الطرف المتصل بالهواء بالحياة
أشبه. و الهواء طرفه الأدنى متصل بالماء، و الماء بالموت أشبه، لأن الماء ربما صار
جامدا ثقيلا، و إذا جمد صار مواتا، و كانت منه صخور و جماد، و هو بالموت أشبه، و
طرفه الأعلى متصل بالنار، و النار بالحياة أشبه.
و النار أيضا ذات طرفين، طرف منها متصل بالهواء، و طرف منها متصل
بالنور و الضياء. و ذلك أن النار إذا قدحت خرجت من احتكاك الأجسام بحدوث ذلك القرع
في الهواء؛ و إذا برزت مع الهواء اتصلت بالأجسام النباتية و الحيوانية، فأكلتها و
أحرقتها و زالت بزوالها و اضمحلت باضمحلالها، فيقال خمدت النار و انطفأ السّراج،
فصار هذا الطرف أشبه بالموت، و لها طرف آخر يطلب العلو أبدا متصل بالإشراق و النور
و الضياء. و هذا الطرف، لاتصاله بالنور و مشاكلته إياه، بالحياة أشبه.
و كذلك آخر المعادن متصل بأول النبات، و آخر النبات متصل بأول
الحيوان، و آخر الحيوان متصل بأول عالم الإنسان، و آخر الإنسان متصل بأول مرتبة
الملائكة. و كذلك آخر التراب متصل بأول مرتبة الماء، و آخر الماء متصل بأول مرتبة
الهواء، و آخر الهواء متصل بأول مرتبة النار، و آخر النار متصل بأول مرتبة الضياء.
كذلك ما حدث من الأصوات يجري على هذا المثال، فصوت الأحجار يشبه
أصوات النبات، لأن النّحاس إذا خلط بالحديد و جمع بينهما، كان له طنين كطنين
العيدان، و ذلك أن العود نبات صنعه الناس و حرّكوه، و صارت له نغمة ظاهرة ناطقة
معبّرة عما في أفكار النفوس. و كذلك صوت نقرات الأجراس و طنين النّحاس، و ليس
للحجر الغير المعدنيّ مثل ذلك.
فالطرف الأعلى من أصوات النبات نغمات العيدان و ما شاكلها، و هي لا
حقة