ثم إن ما دون فلك القمر لطيف و كثيف يجري عليه التغيّر و الاستحالة،
و ذلك أن النار تستحيل فتصير هواء، و الهواء يستحيل فيصير ترابا، و التراب يستحيل
فيصير ماء، و الماء يستحيل فيصير هواء، و الهواء يستحيل فيصير نورا.
فالنار صار أولها يتصل بالهواء و آخرها يتصل بالنور. و أول طرف
الهواء متصل بالماء و آخره متصل بالنار. و أول الماء متصل بالتراب و آخره متصل
بالهواء. فمن جهة طرفه الأعلى يتصل بما فوقه و بطرفه الأدنى يتصل بما دونه و
يستحيل إليه.
فانظر يا أخي كيف أوجبت الحكمة التغيير و الاستحالة و الزوال و
الانتقال من حال إلى حال في الموجودات الطبيعية، و العلة في ذلك هو جزاء النفوس
بما كسبت، و عقوبتها بما جنت، لأن عالم الأرواح لا تغيّر فيه و لا تبديل و لا زوال
و لا انتقال.
ثم اعلم أن كيفية إدراك الحاسة السامعة بجميع أصوات ما في العالم من
الإنس و سائر الحيوان و النبات و الرياح و الأشجار و ما شاكل ذلك من كل شيء له
صوت و حركة ينقسم عددها إلى ثلاثة أقسام: أحدها حي، و الآخر ميت، و الثالث لا حي و
لا ميت. و كلام الإنسان و صوت الحيوان حيّ ذو حركات نفسانية. و صوت الحجر و الخشب
و الحديد و النحاس و ما شاكلها ميت. و القسم الثالث لا حي و لا ميت مثل صوت الهواء
إذا تدافع و صدم بعضه بعضا، و حدث منه الصفير و الزمير، و صوت تدافع الماء في
التلاليع، و أمواج البحار و جريان الأنهار، و صوت زفير النار، فإن هذه لا يقال لها
حيّة كما يقال للإنسان و الحيوان إنه حي ذو حركة يقصد لغرض يناله بحركته، و لا
يقال إنها ميتة كموت الحجر و الخشب، لأنها متحركة بالاتفاق لا بالقصد، و لأنها
تقوّي مرّة حركة الهواء و مرة تسكنها، و كذلك الماء و النار. ثم يجمع