فنقول: اعلم أن الأصوات نوعان: حيوانية و غير حيوانية. و غير
الحيوانية قسمان: طبيعية و آليّة. فالطبيعية كالصوت من الحجر، و الحديد، و الصّفر[1]، و الخشب، و الرعد، و الريح، و خرير
الماء، و سائر الأجسام التي لا روح فيها من الجمادات. و الآليّة كصوت البوق، و
الطبل، و الدّف، و المزمار، و الأوتار، و ما شاكلها. و الحيوانية أيضا نوعان:
منطقية و غير منطقية. فغير المنطقية أصوات سائر الحيوان التي ليست بناطقة. و أما
المنطقية فهي أصوات الناس، منها دالّة، و منها غير دالّة. فغير الدالة الضّحك و
البكاء و الأنين و الأصوات التي لا هجاء لها. و أما الدالّة فهي الكلام و القول
الذي له هجاء. و كل هذه الأصوات إنما هو قرع يحدث في الهوامّ عن تصادم الأجرام. و
ذلك أن الهواء، بشدة لطافته و خفة جوهره و صفاء طبعه و سرعة حركة أجزائه، يتخلّل
الأجسام كلها، فإذا صدم جسم جسما آخر، انسلّ ذلك الهواء و تدافع إلى جميع الجهات،
و حدث منه شكل كما ذكرنا أولا، فيصل بمسامع الحيوان.
فأما كيفيّة إدراك الحاسّة السامعة للصوت الحيواني و غير الحيواني و
تمييزها لكل واحد منها كما تميّز القوة الذائقة طعوم الأشياء، و تخبر الناطقة عن
كل شيء بما يخصه من طعمه، و كذلك القوة الشامّة. فأما الذائقة فهي أكثر تأثرا من الشامة،
و كذلك الحاسّة السامعة فإن قواها في تمييزها الأصوات بعضها من بعض ألطف و أشرف. و
الحاسّة اللامسة أكثف من الجميع.
و اختلف العلماء في حاسّة النظر و حاسة السمع أيّهما ألطف و أشرف.
فقال بعضهم: حاسّة السمع أشرف، و كان برهان من قال ذلك أن محسوسات