أنه قد عبّر عنه. و المعاني هي الأصول و هي
الاعتقاد الذي أول ما يتصوّر في النفس، و الألفاظ هيولى لها. و المعاني كالنفوس، و
الألفاظ كالأجسام.
و المعاني كالأرواح، و الحروف كالأبدان.
فصل
ثم اعلم أن الهيولى إذا قبلت آثار النفس قبولا تامّا، ظهرت أفعال
النفس في الغرض و المراد مضيئة بهيئتها؛ و إن عجزت عن القبول، كانت دون ذلك. و
كذلك الألفاظ إن قبلت التأدية عن المعاني ببلاغة، فهمت المعاني و لاحت دلائلها
بغير تطويل و لا إسهاب؛ و إن عجزت الألفاظ عن تلك التأدية، احتاجت إلى التطويل. و
التطويل ذهاب البلاغة، و التقصير هو ضعف الدلالة و الحجة. و في الناس من يجول في
قلبه المعنى الصحيح فيعبّر عنه باللفظ الركيك، فيحيله عن معناه و إن لم يرد
الإحالة و لكنه عجز في اللفظ، فيصير اللفظ غير مؤدّ عن المعنى، لا لعجز المعنى، و
لكن لعجز اللفظ، كما أن الطبيعة تفعل أشياء، فتعجز عنها الهيولى القابلة، فتنقص عن
الكمال، لا لعجز الطبيعة، بل لعجز الهيولى. فتأمّل هذا الكلام فإنه من الأسرار
العجيبة و الرموز الدقيقة و المعاني الغامضة و فيه غرض غامض.
و أنت أيها الأخ ينبغي لك أن تراجع نفسك النائمة الساهية. فانتبه من
نوم غفلتك، و أنعم النظر في جميع ما قلناه، و افهم جميع ما بيّنّاه من الإشارات و
الرموزات، و لا تظن بنا ظن السوء، لأن إفشاء سرّ الربوبية كفر.