الصدق و الكذب، و واحد منها يدخله الصدق و
الكذب و هو الخبر، و يوجد في ذلك السالبة و الموجبة و الممكن و الممتنع.
فصل
ثم اعلم أن جميع هذه المعاني و ما يتعاقبها من مدح أو ذم، و يدخلها
من صدق و كذب و بلاغة و حصر، فلا بد من أن يقع على مسمّى باسم من مدح أو ذم، و كل
مسمّى باسم فيه مدح من سائر المعاني فهو واقع بين اثنين متضادين: عدل بين حاستي
جور. فالعلم واقع بين أمرين: إما علم ما لا يجب أو جهل ما يجب، فصار العدل بين
حاستين: إفراط و تفريط. و على هذا المثال الفهم عدل بين الاعتراف بما لا يمكن و
إنكار ما يمكن. و اللب أيضا عدل بين الحصر عن التفهيم و التراخي عن التوهم. و
العزم عدل بين التهور و الجبن. و الجود عدل بين التقتير و التبذير. و الشجاعة عدل
بين الإقدام و الإحجام. و على هذا المثال يقع كل اسم من أسماء القصد و الحزم، و كل
وصف يستحق به صاحبه المدح، و بإزائه ما يستحق عليه الذم.
و اعلم أن حقيقة مطالب معنى العدل بأن تصرف في فنون المسمّيات، و
تقسم في وجوه العبارات، و ذلك أن القصد هو الذي لا يجزي ما دونه و لا ينفع ما
فوقه، فهو راجع إلى معنى العدل الذي ما نقص عنه كان ضعفا، و ما زاد عليه كان
إسرافا. و كذلك الحزم أيضا ما لم يمل إلى إحدى حاشيتيه اللتين إحداهما الفشل و
الأخرى التهور. و كذلك الحياء الذي طرفاه الفتور و القحة. و كلّ يرجع من العدل إلى
انقباض بين ازدياد على حدّة و انتقاص، و يؤول إلى انبساط منه و تفريط و إفراط.
فمن طلب العدل في جميع الصفات، وجده متوسطا بين ضدين، أحدهما يتطرّق
دونه إلى بخس و نقصان، و الآخر يتطرق فوقه إلى إفراط و عدوان.