و إذا كان الكلام يثقل على الرجل قيل في
لسانه خلسة، و إذا أدخل بعض حروف العرب في بعض حروف العجم قيل في لسانه لكنة، و
إذا عجز عن سرعة الكلام قيل في لسانه عقلة، و الحكلة إنما هي نقصان آلة المنطق و
عجزها عن أداء اللفظ حتى لا يعرف معناه إلّا القليل و هو قريب من كلام البهائم و
الخرس و نحو ذلك.
فصل في المعاني
فأما إفهام المعاني فإنها تفهم من الكل من اللّكن و الفصحاء، و إنما
يتفاضل الناس في البلاغة، و هو عند الحشويّة و العوامّ و النساء و الصبيان حسن
الصوت و حلاوة المنطق و صفاء الكلام.
و ليس كل من حسن صوته و صفا كلامه كان بليغا في إبانة المعنى، و
إقامة الدليل و الحجة في إزالة الشّبهة عن النفس الساهية، و انتباه الجاهل عن
رقدته، و إصحاء السكران من سكرته بالتّذكرة و الموعظة، فإن صاحب النغمة الطيبة و
الكلام الصافي ربما استعمل ذلك في الأغاني و الملاهي.
و سبب كل ذلك محبة اللذات الدنيّة و الشهوات الحسيّة، و ما يتضمن
الكلام من السّخف و المجون و أمثاله، فإن معانيها لا حقيقة لها، و الكلام بها إنما
هو تصويت و هذيان لا حق بأصوات الحيوان و المجانين و السّكارى و الصبيان و النسوان
و من لا عقل لهم.
و أصل المعاني أنها المقالات المدلول بصحتها في الإخبار بها عن معرفة
حقائقها، و مقاصد طرائفها. و حدّ المعنى أنه هو كل كلمة دلت على حقيقة، و أرشدت
إلى منفعة، و يكون وجودها في الإخبار بها صدقا، و القول عليها حقّا. و الأخبار على
أربعة أقسام: خبر و استخبار و أمر و نهي. و قد جعلها قوم ستة، و آخرون عشرة، و
أصلها هذه الأربعة، فثلاثة منها ما لا يدخله