فإنما يخرج عن هيئة الجسم الذي يصوّته بحسب
قوته و صفاء طبيعته و غلظها، و نحتاج هاهنا إلى بيان و وضوح برهان، و نحن نذكره
بشرح مبين.
فصل
ثم اعلم أن اختلاف الناس في كلامهم و لغاتهم، على حسب اختلافهم في
أجسادهم و تركيباتهم. و أصل الاختلاف في اللغات هو اختلاف مخارج الحروف و نقصها عن
تأدية ما يؤدّيه البليغ منها. و قد زعم بعضهم أن فساد الكلام من فساد التركيب و
فساد المزاج، و ليس هو كما زعم، و إنما هو من اختلاف مخارج الحروف في قوّتها و
ضعفها، و هو فساد في اللسان يقلب و يعدل الحروف عن مخارجها. و لو كان من فساد
المزاج لكانت اللغة كلّها، في حرف واحد من مخرج واحد، و لكانت ترجع إلى الاستواء
عند صلاح المزاج كما يحدث بالفصيح الكلام، و ضعف الصوت من فساد المزاج و غلبة بعض
الطبائع. و إذا عاد إلى الأمر السالم عاد كلامه إلى المعهود منه أولا، و اللغة
ليست كذلك، و الناس فيها مختلفون، و غير متفقين في الحروف التي يقع الخطأ فيها و
العدول بها عن استوائها إلى خلافها، و هي أعراض كثيرة تختص باللسان، و تعرض فتفسد
الكلام، و هي زمانة لازمة مثل الخلسة[1]، و الفأفأة[2]، و التمتمة، و العقلة[3]، و الحكلة[4]،
و الرّتّة[5]، و اللّثغة[6]، و ما أشبه ذلك.