و أحيا نفسا، كان أكثر صوتا و أدوم كلاما في
عموم الأوقات. و ما كان دون ذلك، كان بحسب ما فيه، و ما هو مجبول عليه.
و بالجملة إن الصوت الحادث بحركة نفسانية حيوانية فهو مخصوص به
الحيوان. و أما ما يسمع من الأصوات من غير الحيوان، فإنما يقال له قرع و وقع و
طنين و صفير و زمير و نقر و دقّ و قعقعة، كصوت البوق و ضرب الدفّ و الطبول و
الدبادب و ما شاكل ذلك.
فهذه المثالات لهذه الأصوات مخصوصة بما يحدث من حركات الأجساد
الصامتة التي لا يحدث صوت و حسّ عنها إلّا بمحرّك من غير جنسها يرفعها و يضعها و
ينقرها و يقرع بعضها ببعض. فالمحرّك لها إما بعمد و قصد كالإنسان فيما يتخذه من
هذه الآلات للتصويت بالحركة، أو كحيوان يحدث ذلك بغير قصد، كاحتكاك الدابّة بالباب
و دفعها للإناء و غيره، فيحدث من تلك الحركة و ذلك الدفع صوت. أو من حركة الرياح و
الهواء للأجساد و النبات و الأشجار، و حفيف أوراقها، و احتكاك قضبانها، و سلوك
الهواء بينها، و سريانه بين الحيطان و البنيان، و خرقه منافذ الجبال و الغدران و
الكهوف، فيحدث منه أنواع الصفير و التصويت. و ما يحدث من أصوات حوادث الجو ما قد
ذكرناه مثل ما يحدث من حركات المياه، إذا انحدرت و تدافعت من أعلى الجبال إلى بطون
الأودية، و مثل أصوات الدواليب و الأرحية و الطواحين و المجاذيف، و جريان السفن في
البحر، و جري العجل في البر.
و كل ماء إذا تحرك أو تصرّف فيه المحرّك ظهر منه الصوت و قرع الهواء.
فهذه كلها أصوات، فما كان منها عن أجسام الحيوان قيل: أصوات و نغمات.
و ما كان منها عن حركة الهواء قيل: صفير و زمير. و ما كان عن حركة الماء قيل: دويّ
و خرير و أمواج. و ما كان من المعدنيات و الأحجار و الخشب قيل: وقع و طنين و نقرة
و ما شاكل ذلك. و ما كان من جهة