الوضعيّ و المنهاج الشرعيّ، و ما تفرع من
ذلك الأصل، و ما ينقسم من ذلك النوع.
ثم اعلم أن أصل الاختلاف في اللغات إنما هو لما كثرت أولاد بني آدم،
و انتشروا في جهات الأرض، و نزلت كلّ طائفة منهم إقليما من أقاليمها و قطرا من
أقطارها من الرّبع المسكون، تولّى كلّ قوم، في وقت نزولهم ذلك الإقليم، كوكب من
الكواكب السبعة المدبّرات، فعقد لهم عقدا نشأ عليه صغيرهم، و مات عليه كبيرهم.
ثم اعلم أن الكلام الدالّ على المعاني مخصوص به عالم الإنسان، و هو
النّطق التامّ بأي حروف كتب. و الحيوان لا يشرك الإنسان فيه من الجهات المنطقية و
العبارات اللفظية، لكن من جهة الحركة الحيوانية و الآلة الجسمانية، و الحاجة فيها
إلى ذلك. لأنك تجد كثيرا من الحيوانات تريد بأصواتها دفع المضارّ و جذب المنافع،
تارة لأنفسها، و تارة لأولادها، مثل صياح البهائم إذا احتاجت إلى الأكل و منعت
منه، و إلى شرب الماء و ذيدت عنه؛ و مثل استدعاء أولادها و ما غاب عنها؛ و ما شاكل
ذلك من الطيور التي تحاكي الإنسان، و محاكاة القرد للإنسان في جميع أفعاله و أكثر
أعماله.
فهذه الأشياء، لمّا يريد الحيوان التطريب و التصويت و الصّياح لها و
من أجلها، فإنه لا يقال لها معان علمية، و إنما يقال لها إرادات طبيعية. فأجساد
الحيوانات مجبولة عليها، و إنما استدعاؤها إياها بالتصويت في بعض الأوقات، إذا
عدمتها و حيل بينها و بين ما تريد، و قلّ ما يكون دالّا بأصواتها على الأمر
الأعمّ، و لا معنى لها، و لا يعرف المراد منها و لا القصد كصياح الطيور في أكثر
أوقاتها. منها ما يصوّت بالليل، و منها ما يصوّت بالنهار، و كذلك الحيوانات
أكثرها. و لكن المراد بها منها كلّها اجتماع الجنس و قيام الشكل إلى الشكل، و بحسب
ما في كل شخص من أشخاصها من قوّة الحرارة الغريزية و حركة النفس الحيوانية، فإن كل
شخص أكثر حرارة و أقوى حركة