في الحيوان يسمّى بأسماء مختلفة، مثل قول
القائل: صهيل الفرس، و نهيق الحمار، و نباح الكلب، و خوار الثور، و زئير الأسد، و
نعيب الغراب و غير ذلك. و أما الصوت المخصوص به الإنسان فإنه يقال له كلام و لفظ
متكلّم كقول القائل: فلان يتكلم بالعربية و الفارسية و الرومية و غير ذلك، و سنأتي
على شرحه و بيانه، و نفرق بين الصوت و الكلام.
فصل في الفرق بين الصوت و الكلام
اعلم يا أخي أن الكلام هو صوت بحروف مقطّعة دالّة على معان مفهومة من
مخارج مختلفة. و أبعد مخارج الحروف أقصى الخلق، و هو مما يلي أعلى الصدر. و الصوت
من الجسم في الرئة بيت الهواء، كما أن أصل الصوت، في العالم الكبير الذي هو بمنزلة
إنسان كبير، الهواء فيما دون فلك القمر، و النفس في عالم الأفلاك. و لذلك توجد في
الإنسان الذي هو عالم صغير، في الرئة و في قوة نفسه، معاني ما يدل عليه الصوت. و
كذلك الحركات و الأصوات التي دون فلك القمر إنما هي مثالات و دلالات على تلك
الأصوات الفاضلة و الحركات المنتظمة، و تلك أرواح و هذه أجساد. و أصل الأصوات في
الرئة هواء يصعد إلى أن يصير إلى الخلق، فيديره اللسان على حسب مخارجه. فإن خرج
على حروف مقطّعة مؤلفة، عرف معناه و علم خبره.
و إن خرج على غير حروف لم يفهم، كان كالنّهاق و الرّغاء و السّعال و
ما أشبه ذلك. فإن رده اللسان إلى مخرجه المعلوم في حروف مفهومة، يسمّى كلاما و
نطقا، بأي لفظة كانت على حسب الموافقة و مساعدة الطبيعة، لكل قوم في اتساع حروفهم
و سهولة تصرّفهم في مخارج كلامهم، و خفّة لغاتهم بحسب مزاج طبائعهم، و أهوية
بلدانهم، و أغذيتهم، و ما أوجبت لهم دلائل مواليدهم، و ما تولّاهم من الكواكب في
وضع أصل تلك اللغة في الابتداء