العمارة، و هو بيت الزّهرة. و كانت حسنة
الحال مستقيمة في مسيرها، صاعدة في أوجها، مشرقة أنوارها، و كان في هذا الحدّ
اجتماع آدم و حواء و مماسّتهما، فحملت منه، و كان ذلك ابتداء النسل. و جرى حال
الحمل على ما ذكرنا في رسالة مسقط النّطفة. فلما كثرت أولادهما تولى آدم تعليمهم و
تأديبهم و تهذيبهم، و علمهم كيفيّة الحرث و الزرع و ازدواج الذكور و الإناث، و
عمروا العالم و عاينوا الحيوانات و ما تصنعه بعضها ببعض، و ما يطلب من منافعها،
فاقتدوا بها في أفعالهم، و أيّد اللّه تعالى آدم، 7، بوحيه و إلهامه
لمّا تاب عليه بما يكون له به صلاح، و لذريّته فلاح، و أقام على ذلك مدّة ما أراد
اللّه تعالى، ثم نقله إلى رحمته و خلفه من خلفه في ذرّيته و أولاده. و لم يزل
الأمر على ذلك و بنو آدم مع والدهم يتكلمون بالسريانية، و قال بعضهم بالنّبطية، و
يفهم بعض عن بعض المعاني و ما قصدوا و أرادوا.
و وصفوا كل شيء بصفته إلّا أنها لم تكن الحروف مجتمعة بعضها إلى
بعض، و لا مؤلفة بالكتابة، و إنما كان آدم، 7، يعلمهم تلك الأسماء
تلقينا و تعريفا، كما يعلّم الأشياء و يعرّف من لا علم له بالكتابة و الهجاء. و
لذلك يقال لمن لا يكتب و لا يقرأ أمّي. و كان الخلق يحفظون تلك الأسماء و الصفات عن
السّلف، إلى أن سلّم الدور الثور إلى الجوزاء، و ظهرت الكتابة من أجل أنه بيت
عطارد و شرف الرأس، و هبوط الذنب، و صارت الحروف في ذلك أربعة و عشرين حرفا، و هي
الكتابة اليونانية، لأنها قسمت لكل برج حرفين، فصارت أربعة و عشرين حرفا، فقيّدت
تلك الألفاظ و كتبت الأسماء بالحروف على لغة أهل ذلك العصر.
فانظر أيها الأخ إلى هذه الحكمة الصحيحة و الصّنعة المحكمة المتقنة
كيف تأتي بكل شيء في وقته المقدّر و زمانه الميسّر. و انظر كيف سرت هذه القوى
التي هي الأصوات و النغمات أولا في عالم السماوات، ثم في حركات الهواء، ثم في
حركات النبات، ثم في أجسام الحيوان، ثم في عالم الإنسان. فالصوت