فلما تمت هذه المدة المقدّرة بهذه الصفة، و
ابتدأ الدور الجديد، و أراد اللّه إنشاء النشأة الثانية، و إبراز الصورة
الإنسانية، خلق آدم و حوّاء من الطين، و أسكنهما الجنة الموصوفة، و هي الياقوت في
ناحية المشرق، و كان من أمرهما ما كان، و قد ذكر هذه القصة من أولها إلى آخرها رجل
من أهل فارس عالم بحساب النجوم بكتاب بيّن فيه هذه الأمور. و لو كان هذا ما قصدنا
و إياه ما أردنا، لذكرنا منه طرفا، و لكنا نشير إلى بعض ذلك. فلما فطر آدم و
سوّاه، و نفخ فيه من روحه، و أسجد له ملائكته، و كان ظهور آدم و حواء بعد كون
الحيوان، و عمارة الأرض، و ظهور الأقوات فيها على تمام أجناسها و استيفاء أنواعها،
و كان ظهور الحيوان بعد ظهور النبات و انبساطه على وجه الأرض و علوّه عليها، و كان
أول بروز النبات بحذاء برج السّنبلة و كان في وسط السماء، و الحيوان بحذاء الثور،
و آدم و حواء بحذاء الجوزاء من أرض المشرق؛ و لذلك قيل للجوزاء ذات جسدين، و كانت
البداية من الحمل و قد حلّ فيه زحل و هو هابط، فصار المركز مهيّأ من الطين، و كان
أكثره مظلما، و صار ثقيلا رزينا، و صارت الجبال راسيات مستقرّة. و كان أول معدن
انعقد في بطن الأرض الأسرب، و لذلك صارت الأرض مقر الثّقل و مستقر الكثائف من أجل
زحل و كونه في ذلك التقدير بمشيئة اللّه تعالى. فأقام آدم و حواء و الحيوان مدة ما
ذكر في الكتاب من غير مماسّة و لا التئام، ثم ألهم اللّه تعالى عطارد صاحب المنطق
النّطق، و نطقت حواء، و علّم اللّه آدم الأسماء كلّها، فصار يعرفها و يلقي على كل
جنس و شكل و نوع و شخص من النبات و المعادن و الحيوان و جميع المرئيات الأسماء و
الصفات. ثم لم يزالا على ذلك حتى أكلا من الشجرة، و أهبطا من الجنة إلى الأرض
مسخوطا عليهما، فأقاما في الأرض مدة معلومة، و كانا مع سائر الحيوانات يأكلان من
ثمر الأشجار، و يشربان من ماء العيون و الأنهار، إلى أن سلّم الحمل الدور إلى
الثّور، إذ هو أحد منافع الدنيا، و سبب