فصل في معرفة أصل الصوت و عن الأجسام التي
في الابتداء دون فلك القمر قبل خلق الإنسان و الحيوان
فنقول معوّلين على اللّه تعالى: بأنه لما خلق اللّه السماوات
بمشيئته، و أتقنها بصنعته، و رتّبها بحكمته، و جعل الأرض بساطا تحتها، و خلق
الهواء فسحة فيما بين السماء و الأرض، ثم أرسله يمينا و شمالا على وجه الأرض، و
يسري على البحار و يحرّكها و يموّجها، كان كالأرواح السارية في الأجساد، فأقام
الهواء على تلك الحال، و السّريان في الجهات الأربع يخلط البحار بالتراب، و يمزج
الطبائع بعضها ببعض، كما ذكر أولا في هذه الرسالة، فتحدث بحركته أنواع الأصوات، و
الصفير، و الطنين، و مجاوبة الجبال، و أصوات أمواج البحار، و هبوب الرياح في
الفلوات و القفار، فتكوّنت المعادن في البقاع المخصوصة بكونها فيها، و انعقد
البخار، و ارتفعت الأنداء، و تراكمت الغيوم، و ارتفعت إلى آخر كرة النسيم، و
تعلّقت تحت كرة الزمهرير، و عصرها و هيج الأثير، و استولت الكواكب المائية، فأرسلت
الأمطار على وجه الأرض، و لحقها الهواء و سرى عليها، و أشرقت الكواكب بأنوارها، و
لحظتها الشمس و سرت فيها قوة النفس النامية، و كان أول ما ابتدأ على وجه الأرض
بالنموّ و الزيادة على سطحها صورة النبات، و قامت على تلك الحال، و الأرض ليس فيها
إلّا البحار و الجبال و النبات و الأشجار، على ما ذكره بعض العلماء، ثلاثة آلاف
سنة، و الرياح تهبّ عليها، و الأصوات الهوائية تجيب بعضها بعضا، و النفس سارية في
الهواء، متصلة بقوة النور و الضياء، تدبّر الأمور الجسمانية، و تؤلف الطبائع
الجرمانية و روحانيات الكواكب، متّصلة بعالم الهواء، فهم سكان الأرض قبل آدم 7.