عليه من طبيعته. و بحسب قوته يكون اتصال ذلك
الحادث في الهواء بمسامع الحيوان من الإنسان و غيره. فالإنسان إذا سمع صوت الخشب و
الحديد و الماء و الريح أمكنه أن يخبر عن صوت كل واحد منها و ينسبه إلى ما حدث عنه
و خرج منه. و الحيوان لا يعرف ذلك و لا يمكنه أن يعبّر عنه و يفصّل كما عبر
الإنسان بقوّة النّطق و البيان عما سمع. و بهذا فضل الإنسان على غيره من الحيوان.
و كذلك يجري حاله في حاسة السمع، فإنه من جهة الهواء يتصل به ذلك، و يخبر عن كل
رائحة بما هي به، و ينسبها إلى الذي فاحت منه. و كذلك يخبر عن حاسّة اللمس إذا
لمست الأجسام و عرفت الحاسّة ما كان رطبا و يابسا، و حارّا و باردا، و لينا و
خشنا، و ما شاكل ذلك. و أما حاسّة البصر فإنما تحتاج في معرفة محسوساتها إلى حواسّ
أخر، لأنها ربما كذبتها محسوساتها مثل ما ترى الكبير صغيرا، لبعد ما بينها و بينه
من المسافة، و الصغير كبيرا في الأرض الواسعة، و المستوي معوجّا كالمجذاف في الماء
و ما شاكل ذلك.
فصل
ثم اعلم أن منتهى كل حاسّة إلى القلب مقرّها، و عنده موئلها، و لكل
حاسة محسوسة مختصة بها، مجعولة لها، لا تتعداها، و لا تتعرض لسواها.
فالبصر مختص بالنظر، و الأذن مختصة بالسمع، و الفم مختص بالذوق، و
الأنف مختص بالشم. و كل حاسة من هذه الحواس تؤدي محسوساتها إلى القلب، و يفهم منها
حاسة القلب.
ثم إن قوة حاسة القلب إذا أدركت من الحواس شيئا و قبلته منها، أدّته
إلى العقل ليدركه. و لو لا قوة حاسة القلب، لبطلت هذه الحواس، كما