على الاسوار و الثغور، فإن أصواتها و طنينها
يمكث في الهواء على قدر اتساع تلك الأواني و ضيقها. و صوت النحاس خفيف صاف ليبسه و
صلابته و قوّة الحرارة فيه. و لا يمكن أن تتخذ من الرصاص آلة الطنين و التصويت كما
يتخذ من النّحاس. و الحديد إذا خالط النحاس كان له أيضا تصويت و طنين.
و الذهب له صوت يختص به يشابه طبيعته و له طنين يسير، و هو معتدل
الحرارة ليّن الطبيعة قد تساوت فيه أجزاء طبائعه. و الفضة دون ذلك و هي أشفّ من
الذهب و أحسن صوتا منه إذا نقرت. كذلك الرّصاص لا صوت له كصوت النّحاس و الحديد، و
ذلك لغلبة الأجزاء الأرضية عليه و كثافة جسمه. و صوته يشاكل صوت الحجر و ما
بينهما. و على هذا المثال وجد منطق الإنسان على الاعتدال، لا بالجهير الخارج عن
الحد كصوت الأسد و صهيل الفرس و نهيق الحمار و ما شاكل ذلك، و لا صامت كصموت
السمك، و لا خفيف كخفوت أصوات كثير من الحيوانات، لكنه متوسط بين ذلك.
و من أراد أن يكون له صوت طويل يمكث في الهواء، فليتعمّد ذلك و يجتهد
في جمع الهواء، حتى يكون إرساله بحسب ما اجتمع فيه فيدرك بذلك ما يريد، و إن تأذى
و تألم. و إنما كان صوته متوسطا لتوسط طبائعه و اعتدالها، مثل ما اعتدلت طبيعة
الذهب، و كان أشرف الجواهر الذائبة بالنار. و كذلك الإنسان أشرف الحيوانات
المتحركة بالحياة.
و للنبات أصوات منها ما كان أشدّ صلابة و أكثر اجتماعا، و لا طبيعة
لها كبقية الأصوات، إذا قرع انقرع، كالساج[1]
و الآبنوس و ما شاكلهما.
و ما كان يتخلل جسما ضعيف الحرارة، كخشب التين و الجمّيز و ما شاكل
ذلك، يكون أضعف صوتا إذا قرع و تحرّك بجسم يحدث في الهواء من قوّة حركة المحرّك، و
كون ذلك الصوت عن المصوّت، و ما هو مجبول