و النحاس أصفى من الحديد و أشرف منه، و
الحديد أشرف من الأسرب[1]، و كلها
أحجار معدنية أصلها كلها الزّئبق و الكبريت؛ و الزّئبق و الكبريت أصلهما التّراب و
الماء و الهواء و النار، فهيولاها واحد، و صورها مختلفة، و صفاؤها و شرفها بحسب
تركيبها و اختلاف صورها، و كذلك حكم الحيوان و النبات، فإنها بالهيولى واحد، و إن
اختلافها و شرف بعضها على بعض بحسب اختلاف صورها.
فصل في الأجسام الجزئية
اعلم أن الأجسام الجزئية منها ما يقبل صورة الكلّي إذا صوّر فيه،
فيصير بقبوله تلك الصورة أفضل و أشرف من سائر الأجسام الجزئية السّاذجة، و المثال
في ذلك قطعة من النّحاس إذا صوّر فيها الفلك، مثل الأصطرلاب و ذات الحلق و الكرة
المصوّرة، فإنها عند ذلك تكون أشرف و أفضل و أحسن من أن تكون ساذجة، و كذلك كلّ
جسم قبل صورة ما، فإنه عند ذلك يكون أفضل و أشرف و أحسن من كونه ساذجا، فهكذا
الحكم في جواهر النفوس، و ذلك أنها كلّها جنس واحد و جوهر واحد، و أن اختلافها
بحسب معارفها و أخلاقها و آرائها و أعمالها، لأن هذه الحالات هي صور في جواهرها و
هي كالهيولى، و كذلك النفس الجزئيّة إذا قبلت علما من العلوم تكون أفضل و أشرف من
سائر النفوس التي هي أبناء جنسها.
ثم اعلم أن العلوم في النفس ليست بشيء سوى صور المعلومات انتزعتها
النفس و صوّرتها في فكرها، فيكون عند ذلك جوهر النفس لصور تلك المعلومات كالهيولى،
و هي فيها كالصورة.