و اعلم أن من الأنفس الجزئية ما يتصوّر
بصورة النفس الكليّة، و منها ما يقاربها و ذلك بحسب قبولها ما يفيض عليها من
العلوم و المعارف و الأخلاق الجميلة، و كلما كانت أكثر قبولا كانت أفضل و أشرف من
سائر أبناء جنسها، مثل نفوس الأنبياء، :، فإنها لما قبلت بصفاء جوهرها
الفيض من النفس الكلّية أتت بالكتب الإلهية التي فيها عجائب العلوم الخفيّة، و
المعاني اللطيفة، و الأسرار المكنونة التي لا يمسّها إلّا المطهّرون من أدناس
الطبيعة، و ما وضعت من الشرائع العلمية النافعة للكلّ، و السّنن العادلة الزكيّة،
فاستنقذوا بها نفوسا كثيرة غريقة في بحر الهيولى، و أسر الطبيعة؛ و مثل نفوس
المحقّقين من الحكماء التي استنبطت علوما كثيرة حقيقية، و استخرجت صنائع بديعة، و
بنت هياكل حكيمة، و نصبت طلّسمات عجيبة؛ و مثل نفوس الكهنة المخبّرة بالكائنات قبل
كونها بدلائل فلكية و علامات زجرية[1]، و إلى مثل
هذه النفوس أشاروا بقولهم: الفلسفة هي التشبه بالإله بحسب الطاقة الإنسانية، و
إليها أشاروا بقولهم: من خاصيّة العقل المنفعل أن يقبل الجزء منه صورة الكلّ؛ و
إليها أشار القائل بقوله:
[2] -الحكاك: الذي يحك الذهب و غيره من الحجارة الكريمة
ليختبره.
[3] -معاهده: منازله. الرهم: جمع الأرهم، أي الأخصب، و
المراد بها الغمام الذي يسبب الخصب. و الرهمة، بكسر الراء: المطر الضعيف الدائم،
تجمع على رهم كعنب، و على رهام كجبال.