و على هذا المثال يعتبر حال الصورة عند
الهيولى، و حال الهيولى عند الصورة، الى أن تنتهي الأشياء كلّها إلى الهيولى
الأولى التي هي صورة الوجود حسب، لا كيفية فيها و لا كمية، و هي جوهر بسيط لا
تركيب فيه بوجه من الوجوه، قابل للصور كلّها و لكن على الترتيب كما بيّنا لا أيّ
صورة كانت، تأخرت أو تقدمت، بل الأول فالأول؛ مثال ذلك أن القطن لا يقبل صورة
الثوب إلا بعد قبوله صورة الغزل، و الغزل لا يقبل صورة القميص إلا بعد قبوله صورة
الثوب. و كذلك الحبّ لا يقبل صورة العجين إلا بعد قبوله صورة الدقيق، و الدقيق لا
يقبل صورة الخبز إلا بعد قبوله صورة العجين، و على هذا المثال يكون قبول الهيولى
للصور واحدة بعد أخرى.
ثم اعلم أن الاجسام كلّها جنس واحد من جوهر واحد و هيولى واحدة، و
إنما اختلافها بحسب اختلاف صورها، و من أجلها صار بعضها أصفى من بعض و أشرف، و ذلك
أن عالم الأفلاك أصفى و أشرف من عالم الأركان، و عالم الأركان بعضها أشرف من بعض،
و ذلك أن النار أصفى من الهواء، و أشرف منه، و الهواء أصفى من الماء و ألطف منه، و
الماء أصفى من التراب و أشرف منه، و كلّها أجسام طبيعية يستحيل بعضها إلى بعض؛ و
ذلك أن النار إذا أطفئت صارت هواء، و الهواء إذا غلظ صار ماء، و الماء إذا غلظ و
جمد صار أرضا، و ليس للنار أن تلطف، أو للأرض أن تغلظ فتصير شيئا آخر، بل إذا
تكوّنت أجزاؤها يكون منها الموّلدات، أعني المعادن و النبات و الحيوان، لكن يكون
بعضها و أشرف تركيبا من بعض، و ذلك أن الياقوت أصفى من البلّور و أشرف منه، و أن
البلّور أصفى من الزّجاج و أشرف منه، و الزّجاج أصفى من الخزف و أشرف منه، و كذلك
الذّهب أشرف من الفضة و أصفى منها، و الفضة أصفى من النّحاس و أشرف منه،