أجمع، لأنها كلّها أجسام و إنما اختلافها من
أجل صورها المختلفة. و أما الهيولى الأولى فهي جوهر بسيط معقول لا يدركه الحسّ، و
ذلك أنه صورة الوجود حسب، و هو الهويّة. و لما قبلت الهويّة الكميّة صارت بذلك
جسما مطلقا مشار اليه أنه ذو ثلاثة أبعاد التي هي الطول و العرض و العمق، و لما
قبل الجسم الكيفيّة و هي الشكل، كالتدوير و التثليث و التربيع و غيرها من الأشكال،
صار بذلك جسما مخصوصا مشارا إليه، أيّ شكل هو؛ فالكيفية هي كالثلاثة، و الكمية
كالاثنين، و الهوية كالواحد، و كما أن الثلاثة متأخرة الوجود عن الاثنين، كذلك
الكيفية متأخرة الوجود عن الكميّة؛ و كما أن الاثنين متأخرة الوجود عن الواحد،
كذلك الكميّة متأخرة الوجود عن الهوية؛ و الهوية هي متقدمة الوجود على الكميّة و
الكيفية و غيرهما، كتقدم الواحد على الاثنين و الثلاثة و جميع العدد.
ثم اعلم أن الهوية و الكمية و الكيفية كلّها صور بسيطة معقولة غير
محسوسة، فاذا تركت بعضها على بعض صار بعضها كالهيولى، و بعضها كالصورة، فالكيفية
هي صورة في الكمية و الكمية هيولى لها؛ و الكمية هي صورة في الهوية و الهوية هيولى
لها، و المثال في ذلك من المحسوسات أن القميص صورة في الثوب، و الثوب هيولى له، و
الثوب صورة في الغزل، و الغزل هيولى له، و الغزل صورة في القطن، و القطن هيولى له،
و القطن صورة في النبات، و النبات هيولى له، و النبات صورة في الأركان و هي هيولى
له، و الأركان صورة في الجسم، و الجسم هيولى لها، و الجسم صورة في الجوهر، و
الجوهر هيولى له، و كذلك الخبز صورة في العجين، و العجين هيولى له، و العجين صورة
في الدقيق، و الدقيق هيولى له، و الدقيق صورة في الحبّ، و الحبّ هيولى له، و الحبّ
صورة في النبات، و النبات هيولى له؛ و النبات صورة في الأركان، و هي هيولى له، و
هي صورة في الجسم، و الجسم هيولى لها؛ و الجسم صورة في الجوهر، و الجوهر هيولى له.