في زمان واحد، لأن الكون هو حصول الصورة في
الهيولى، و الفساد هو انخلاعها منها؛ فإذا فسد شيء منها فلا بدّ أن يتكوّن شيء
آخر، لأن الهيولى إذا انتزعت منها صورة ألبست أخرى. فإن كانت التي ألبست أشرف سمّي
كونا، و إن كانت أدون سمّي فسادا. مثال ذلك أن يصير التراب و الماء نباتا، و يصير
النبات حبّا و ثمارا، و الثمار و الحبّ يصيران غذاء، و الغذاء يصير دما و لحما و
عظما، فيكون من ذلك حيوان. و الفساد أن يحترق النبات فيصير رمادا، و يموت الحيوان
فيصير ترابا.
و اعلم يا أخي أن جسدك، الذي تختصّ به نفسك، أحد الكائنات الفاسدات،
و ما هو بالنسبة إلى نفسك إلّا كدار سكنت، أو كلباس ألبس، فلا تكوننّ كلّ همّتك و
أكثر عنايتك بتزويق هذه الدار، و تطرية هذا اللباس، فإنك تعلم بأن كل مسكن يخرب، و
كلّ لباس لا بد أن يبلى. و لكن اجعل بعض أوقاتك للنظر في أمر نفسك، و طلب معرفة
جوهرها، و مبدئها و معادها، فإنها جوهرة خالدة أبدية الوجود، و لكن تنتقل لها حال
بعد حال كما قيل:
اجهد
على النفس و استكمل فضائلها،
فأنت
بالنفس لا بالجسم إنسان
ا روي في الخبر أن ابن أبي طالب، صلوات اللّه عليه، قال في خطبة له:
إنما خلقتم للأبد، و لكن من دار إلى دار تنقلون، من الأصلاب إلى الأرحام، و من
الأرحام إلى الدّنيا، و من الدّنيا إلى البرزخ، و من البرزخ إلى الجنة أو إلى
النار.