ماء، و تارة نارا؛ و كذلك النار، و ذلك أن
النار، إذا أطفئت و خمدت صارت هواء، و الهواء إذا غلظ صار ماء، و الماء إذا جمد
صار أرضا، و عكس ذلك أن الأرض إذا تحلّلت و لطفت صارت ماء، و الماء إذا ذاب صار
هواء، و الهواء إذا حمي صار نارا، و ليس للنار أن تلطف فتصير شيئا آخر، و لا للأرض
أن تغلظ فتصير شيئا آخر. و لكن إذا اختلطت أجزاء هذه الأركان بعضها ببعض، كان منها
المتولّدات الكائنات الفاسدات التي هي المعادن و النبات و الحيوان. و أصل هذه
كلّها البخارات و العصارات إذا امتزج بعضها ببعضها، فالبخار ما يصعد من لطائف
البحار و الأنهار و الآجام في الهواء من إسخان الشمس و الكواكب لها بمطارح
شعاعاتها على سطوح البحار و الأنهار و الآجام. و العصارات مما ينجلب في باطن الأرض
من مياه الأمطار، و تخلط بالأجزاء الأرضية، و تغلظ، فتنضجها الحرارة المستبطنة في
عمق الأرض.
و اعلم يا أخي بأن أول ما يستحيل هي الأربعة الأركان إلى هذين
الخليطين، أعني البخار و العصارات، و يكون هذان الخليطان هيولى و مادّة لسائر
الكائنات الفاسدات التي تحت فلك القمر، و ذلك أن الشمس و الكواكب إذا سخّنت المياه
بإشراقها على سطح الأرض و البحار و الآجام و الأنهار، قلّلت المياه، و لطّفت أجزاء
الأرض، و صارت بخارا و دخانا. و البخار و الدّخان يصيران سحابا، و السحاب يصير
أمطارا، و الأمطار إذا بلّلت التراب و اختلطت الأجزاء الأرضيّة بالأجزاء المائيّة،
تتكوّن منها العصارات، و العصارات تكون مادّة و هيولى للكائنات التي هي المعادن و
النبات و الحيوان.
و قد أفردنا لكل نوع منها رسالة مفردة، و بيّنّا فيها كيفيّة تكوّنها
منها و تركيبها و نشوئها و نمائها و بلوغها إلى أقصى مدى غاياتها، ثم كيفيّة
فسادها و بلاها و استحالتها و بدئها و رجوعها إلى هذه الأركان الأربعة التي تتكوّن
منها.
و اعلم يا أخي بأن الكون و الفساد هما ضدّان لا يجتمعان في شيء واحد