ثم اعلم يا أخي بأن الحيوانات أنواع كثيرة و لكل نوع منها خاصيّة دون
غيره، و الإنسان يشاركها كلها في خواصها، و لكن لها خاصيّتين تعمّانها كلها، و هما
طلبها المنافع و فرارها من المضار. و لكن منها ما يطلب المنافع بالقهر و الغلبة
كالسباع، و منها ما يطلب المنافع بالبصبصة كالكلب و السّنّور، و منها ما يطلبها
بالحيلة كالعنكبوت، و كل ذلك يوجد في الإنسان. و ذلك أن الملوك و السلاطين يطلبون
المنافع بالغلبة، و المكدّون[1] بالسؤال و
التواضع، و الصّنّاع و التّجار بالحيلة و الرّفق، و كلها تهرب من المضارّ و العدو،
و لكن بعضها يدفع العدو عن نفسه بالقتال و القهر و الغلبة كالسباع؛ و بعضها
بالفرار كالأرانب و الظباء؛ و بعضها يدفع بالسلاح و الجواشن[2]
كالقنفد و السلحفاة؛ و بعضها بالتحصن في الأرض كالفأر و الهوامّ و الحيات.
و هذه كلها توجد في الإنسان. و ذلك أنه يدفع عن نفسه العدو بالقهر و
الغلبة، فإن خاف على نفسه لبس السلاح، و إن لم يطقه نفر منه، فإن لم يقدر على
الفرار تحصن بالحصون. و ربما يدفع الإنسان عدوه بالحيلة كما احتال الغراب على
البوم في كتاب كليلة و دمنة. و أما مشاركة الإنسان للكائنات في خواصّها، فاعلم، يا
أخي، أيّدك اللّه و إيانا بروح منه، أن لكل نوع من أنواع الحيوانات خاصيّة هي
مطبوعة عليها، و كلها توجد في الإنسان، و ذلك أنه يكون شجاعا كالأسد، و جبانا
كالأرنب، و سخيّا كالديك، و بخيلا كالكلب، و عفيفا كالسمك، و فخورا كالغراب، و
وحشيّا كالنمر، و إنسيّا كالحمام، و محتالا كالثعلب، و مسالما كالغنم، و سريعا
كالغزال، و بطيئا