فهكذا هذه القوى تتصرف في حوائج النفس من
غير كلام منها لهن و لا خطاب.
و يتبيّن له أيضا أن اللّه، جل ثناؤه، مطّلع على أسرار جميع العالمين
و أحوالهم، لا يعزب عنه من أمورهم مثقال ذرّة، كما أن نفسه مطّلعة على جميع
محسوسات حواسّها و معلومات قواها، و هن منقادات لأمرها في ما يأتين به إليها من
أخبار محسوساتها من غير كلام لهنّ منها و لا خطاب.
فصل في اعتبار أحوال الانسان بالموجودات التي دون فلك القمر
فأما اعتبار الإنسان بالموجودات التي دون فلك القمر، فاعلم أن
الموجودات التي تحت فلك القمر نوعان: بسيطة و مركبة. فالبسائط هي الأركان الأربعة
التي هي النار و الهواء و الماء و الأرض. و المركّبات هي الموّلدات الكائنات
الفاسدات أعني الحيوان و النبات و المعادن.
فالمعادن أسبق في الكون، ثم النبات، ثم الحيوان، ثم الإنسان. و لكل
نوع من هذه خاصّيّة قد سبق إليها. فخاصيّة الأركان الأربعة الطبائع الأربع التي هي
الحرارة و البرودة و الرطوبة و اليبوسة، و استحالة بعضها إلى بعض.
و خاصيّة النبات الغذاء و النموّ. و خاصيّة الحيوان الحسّ و الحركة.
و خاصيّة الإنسان النّطق و الفكر، و استخراج البراهين. و خاصيّة الملائكة الّا
نموت أبدا. فإن الإنسان قد يشارك هذه الأنواع كلّها في خواصّها، و ذلك أن له طبائع
أربعا تقبل الاستحالة و التغيير مثل الأركان الأربعة، و له كون و فساد مثل
المعادن، و يتغذى و ينمو كالنبات، و يحس و يتحرك كالحيوان، و يمكنه الّا يموت
كالملائكة، كما بيّنا في رسالة البعث.