إلّا الواجب الوجود، الواحد من جميع الوجوه،
و كما أن تلك الأمم كلهم يرجعون إلى اللّه ليفصل بينهم فيما كانوا فيه يختلفون،
فهكذا حكم المحسوسات كلها، مرجعها إلى النفس الناطقة لتميّز بعضها عن بعض، و تعرف
واحدا واحدا منها بحقائقها، و تحكم عليها، و تنزلها منازلها.
فصل
و اعلم يا أخي أن للنفس الإنسانية خمس قوى أخر تنسب. نسبتها إلى
النفس غير نسبة هذه الخمس التي تقدم ذكرها، و سريانها في أعضاء الجسد خلاف سريان
أولئك، و أفعالها لا تشبه أفعالها. و ذلك أن هذه القوى الخمس هن كالشركاء المتعاونات
في تناولها صور المعلومات بعضها من بعض.
و ثلاث منها نسبتها إلى النفس كنسبة الندماء من الملك الحاضرين مجلسه
دائما، المطّلعين على أسراره، المعينين له في خاصة أفعاله، و هي القوة المتخيّلة
التي مجراها مقدّم الدماغ، و الثانية القوة المفكّرة التي مجراها وسط الدماغ، و
الثالثة القوة الحافظة التي مجراها مؤخّر الدماغ. و واحدة منها نسبتها إلى النفس
كنسبة الحاجب و الترجمان عن الملك، و هي القوة الناطقة المخبرة عنها معاني ما في
فكرها من العلوم و الحاجات، و مجراها في الحلقوم إلى اللسان.
و واحدة منها نسبتها إلى النفس كنسبة الوزير إلى الملك، المعين له في
تدبير مملكته و سياسة رعيته، و هي القوة التي بها تظهر النفس الكتابة و الصنائع
أجمع، و مجراها في اليدين و الأصابع. فهذه القوى الخمس هي كالمتعاونات فيما
يتناولن من صور المعلومات.
بيان ذلك أن القوة المتخيّلة، إذا تناولت رسوم المحسوسات من القوى
الحاسّة، أدركت و أدت إليها فتجمعها كلها، و تؤديها إلى القوة المفكرة التي مجراها
وسط الدماغ، حتى تميز بعضها من بعض، و تعرف الحق من الباطل،