سنة. فقد تبين بهذا المثال و على هذا القياس
أن كل ما زاد في المكث نقص في العمر.
فأما الذي يوجد بالتجربة أن جنينا مكث عشرة أشهر، و عاش مائة و عشرين
سنة؛ أو مكث تسعة أشهر، أو مات لأقل من ستين سنة، فلعلل و أسباب خارجة عن الأمر
الطبيعي يطول شرحها.
و على هذا المثال يجري حكم سعادة المواليد، و ذلك أن اللّه، عز و جل،
قد جعل لكل مولود قدرا من السعادة في الدنيا، و قسمها قسمين: قسما جعل منه لطول
العمر، و قسما لرغد العيش. و ربما يزيد لأحد المواليد في عمره، و ينقص من رغد
عيشه. و ربما يزيد لآخر في رغد عيشه، و ينقص من عمره. فمن أجل هذا ترى كثيرا من
سعداء أبناء الدنيا الرغدي العيش يكونون قيصري الأعمار، و ترى كثيرا طويلي الأعمار
ناقصي رغد العيش.
و مما يحكى أن ملكا رأى شيخا في داره كبيرا سقّاء، فقال له: كم تعدّ
من الخلفاء؟
فقال له: كثير! فقال له شبه المتعجب: ما بالكم تطول أعماركم، و تنقص
أعمارنا؟
فقال له السقاء: لأن أرزاقكم تجيؤكم مثل أفواه القرب، و أن أرزاقنا
تجيء مثل قطر المطر.
فاستحسن الملك قوله، و ضحك، و أمر له بجائزة حسنة أغناه بها. ثم فقده
بعد قليل فسأل عنه فعرف بموته. فقال: صدق، لما جاء الرزق مثل أفواه القرب قصر
عمره.
و هكذا أيضا الحكم و القياس قد جعل اللّه لكل إنسان حظّا من السعادة،
و قسطا من النعيم، و قسمها قسمين، فجعل قسطا في الدنيا، و قسطا في الآخرة، كما ذكر
فقال عزّ من قائل: «كُلُّ شَيْءٍ عِنْدَهُ بِمِقْدارٍ» و
قال:
«وَ ما نُنَزِّلُهُ إِلَّا بِقَدَرٍ مَعْلُومٍ» فمقدار ما يدخل الإنسان حظه من النعيم