الكائنات، أو فكّر متعجب في كيفية انطباع
تلك القوى في مزاج الجنين، و انغراس تلك الطباع في جبلته، و كيف يكون ظهور أفعالها
بعد الولادة، فليعتبر أفعال الدرياقات و المراهم و الشّربات، و كيف تظهر أفعال تلك
العقاقير و الأدوية مفردة و مركبة بعد جمعها و اختلاطها و عجنها و طبخها و اتخاذ
أجزائها و تأليف قواها، و كيف يقصد كلّ قوة و دواء إلى عضو مخصوص، و مرض معروف و
علة بعينها، فيزيلها و يؤثّر فيها بإذن اللّه. أو فليعتبر أصوات الموسيقار و نغمات
الألحان كيف تتألف و تتّحد، و يحملها الهواء إلى مسامع الآذان، و يبلغها إلى صميم
الدّماغ، و يوصل معانيها إلى ما في طباع النفوس. ثم كيف يظهر من كل حيوان أو إنسان
تأثيرات مختلفة من الفرح و السرور، و الضحك و الحزن و البكاء، و الغم و الهم، و
الشجاعة و الجبن، و السخاء و البخل، أو النشاط و الحركة، أو النوم أو الهدوء و
السكون، أو تذكار شيء قد أنساه الدهر، و التسلي عن مصيبة قريبة العهد، و ما شاكل
هذه التأثيرات في النفوس من استماع أصوات الموسيقار و نغمات الألحان، مما لا خفاء
فيه على كل عاقل معتبر. فإذا خفيت على المتفكر كيفية هذه التأثيرات في النفوس، و
لم يفهمها، فلا ينبغي أن ينكر تأثيرات الكواكب في النفوس من أجل أنه لا يفهم
معانيها، و لا يتصوّر كيفيتها، لأنها أخفى و أدقّ و ألطف من هذه.