قوى روحانياته، فيربو لحم الجنين حينئذ، و
تسمن جثته، و تنصب قامته، و تشتد أعضاؤه، و تصلب مفاصله، و تقوى حركته، و يحس بضيق
مكانه، و يطلب التنقل و الخروج. فإن قدّر له ذلك بما يوجب أحكام النجوم بأسباب
يطول شرحها و خروجها على المجرى الطبيعي، و كان الجنين كاملا عاش و تربى و عمّر. و
إن بقي هناك إلى أن يدخل الشهر الثامن، و تدخل الشمس بيت الموت، و يرجع التدبير
إلى زحل من الرأس، فتستولي عليه قوى روحانياته، عرض للجنين ثقل و سكون، و غلب عليه
البرد و النوم و قلة الحركة. فإن ولد في هذا الشهر كان بطيء النشوء، ثقيل الحركة،
قليل العمر، و ربما كان ميتا. و إذا دخل الشهر التاسع و انتقلت الشمس إلى البرج
التاسع بيت النّقلة و الأسفار، و رجع التدبير إلى المشتري السعد الأكبر، و استولت
عليه قوى روحانياته، و اعتدل المزاج و قويت روح الحياة، ظهرت أفعال النفس
الحيوانية في الجسد، لأن الشمس تكون قد استوفت طبائع البروج المثلّثات: النارية و
المائية و الهوائية و الترابية مرتين في الثمانية الأشهر.
و قد سارت الشمس في فلك البروج مائتين و أربعين درجة، و هذه المسافة
مقدار ما بين بيتها إلى شرفها التاسع من بينها المنفقين في طبيعة واحدة، و تكون
أيضا في هذه المدة قد قبلت طبيعة الجنين قوى روحانيات الكواكب المنحطة من الفلك
مرتين بمسير الشمس في البروج المثلثات، مرة إلى البرج الخامس، و مرة إلى البرج
التاسع، كما تقدم ذكرها، و يبقى مرة أخرى، كما نبين بعد هذا الفصل. و يكون الذي
يبقى للشمس، إلى أن تعود إلى الدرجة التي كانت فيها وقت مسقط النّطفة، أربعة أبراج
و مائة و عشرين درجة إلى تمام الدور.
فإذا خرج الجنين بعد ثمانية أشهر، استأنف العمر في الدنيا لكل درجة
سنة، الذي هو العمر الطبيعي، و هو المقدار الذي بقي للشمس إلى أن تعود إلى الدرجة
التي كانت فيها يوم مسقط النّطفة، ليستوفي الإنسان طبائع البروج مرة ثالثة حتى
يتمّ و يكمل.