و أما الذي يزيد و ينقص عن هذا المقدار
فلأسباب و علل يطول شرحها، و هي مذكورة في كتاب أحكام النجوم و مكث الأجنّة و
أعمار المواليد، و قد ذكرنا طرفا من ذلك في رسالة العلل و المعلولات، و لكن نذكر
من ذلك طرفا ليكون دليلا على ما وصفنا.
و اعلم يا أخي بأن الكائنات التي تحت فلك القمر تبتدئ من أنقص
الحالات و أدونها مترقية إلى أتمها و أفضلها، و يكون ذلك في مرّ الزمان و الأوقات،
لأن طبيعتها لا تقبل فيض أشخاص فلكية دفعة واحدة، و لكن شيئا بعد شيء على
التدريج، كما يقبل المتعلم الذكي من الأستاذ الحاذق.
و اعلم بأن فيضات الكواكب من محيط الأفلاك متصلة نحو مركز الأرض في
دائم الأوقات، و لكنها مفنّنة الألوان، متغايرة الأشكال، و ذلك بحسب مواضعها من
أفلاكها، و موازاتها من فلك البروج، و حدودها كما نبين بعد هذا الفصل.
و اعلم يا أخي بأن الحكمة الإلهية و العناية الربّانية قد جعلت لكل
كائن من الموجودات، تحت فلك القمر، مقدارا من الوجود و البقاء معلوما، مقدّرا، أو
يكون ذلك بمقدار دور شخص من الأشخاص الفلكية، كما بينّا طرفا منه في رسالة ماهيّة
الطبيعة. و لكن نذكر من ذلك أيضا هاهنا مثالا واحدا من الأشخاص الإنسانية، و ذلك
أن نطفة الإنسان إذا سقطت في الرحم، فإن مكثها الطبيعي، إلى أن تقبل صورة
الإنسانية، أربعة أشهر بمقدار ما تسير الشمس أربعة أبراج مائة و عشرين درجة، و
تستوفي بمسيرها طبائع البروج المثلثات مرة واحدة فعند ذلك يبقى الجنين إلى يوم
الولادة أربعة أشهر أخر، و هو مقدار ما تسير الشمس أربعة أبراج مائة و عشرين درجة،
و تستوفي بمسيرها طبائع البروج المثلثات مرة أخرى. و بذلك يبقى لها أن تعود إلى
الدرجة التي كانت فيها يوم مسقط النّطفة مائة و عشرين درجة، فيستوفي المولود العمر
الطبيعي في الدنيا، مائة و عشرون سنة لكل درجة،