فلو رأيته يا أخي لرحمته لضيق مكانه، و ضعف
أحواله، و لكنه لا يحس بما هو فيه، رفقا من اللّه تعالى بخلقه، و لطفا بهم. و تكون
سرّته متصلة بسرّة أمه، تمتص الغذاء منها إلى يوم الولادة، و يكون وجهه إن كان
ذكرا مما يلي ظهر أمه، و إن كان أنثى فعكس ذلك.
فانظر يا أخي في هذا الفعل، و تفكّر فيما ذكرنا، فلعل نفسك تنتبه من
نوم الغفلة و رقدة الجهالة، فترى بعين قلبك هذا الصانع الحكيم، كما رأيت بعيني
رأسك مصنوعاته، و لا تتبع سبيل الذين لا يعلمون.
و اعلم يا أخي بأن كثيرا من الحيوانات تتوالد في هذه المدة المذكورة،
مثل الغنم و الظباء و بعض السباع، و كل حيوان لا يحتمل الحمل و الكد. و منها ما
تتأخر ولادتها إلى تمام ستة أشهر و تسعة أو عشرة أو اثنى عشر، لأغراض أخرى قد
بيّنّاها في رسالة الحيوان. و نحن نذكر في فصل آخر من هذه الرسالة ما الغرض في
تأخير ولادة الانسان إلى تمام ثمانية أشهر، و مكث الجنين في الرحم إلى الشهر
التاسع.
فصل في كيفية حال الجنين في الشهر السادس
ثم اعلم أنه عند دخول الشهر السادس، يصير التدبير لعطارد، و تستولي
عليه قوى روحانياته، فيتحرّك عند ذلك الجنين في الرحم، و يركض برجليه[1]، و يمد يديه، و يبسط جوارحه، و
يضطرب و يحس بمكانه، و يفتح فاه، و يحرك شفتيه، و يتنفس من منخريه، و يدير لسانه
في فيه، فيكون تارة متحركا، و تارة يسكن، و تارة ينام، و تارة يستيقظ. فلا يزال
ذلك دأبه إلى أن يتم الشهر السادس، و يدخل الشهر السابع، و يصير التدبير للقمر، و
تستولي عليه