و اعلم يا أخي بأنه إذا دخل الشهر الرابع من مسقط النّطفة و صار
التدبير للشمس، و استولت على المضغة قوى روحانياتها، نفخت فيها روح الحياة، و سرت
فيها النفس الحيوانية، و ذلك لأن الشمس هي رئيسة الكواكب في الفلك، و نفسها هي روح
العالم بأسره، و هي المستولية على الكائنات التي دون فلك القمر، و خاصّة على
مواليد الحيوانات ذوي الرّحم، و أشدّ اختصاصا بمواليد الإنس، و ذلك أن جرمها في
العالم بمنزلة جرم القلب في البدن، و سائر أجرام الكواكب و الأفلاك بمنزلة أعضاء
البدن و مفاصل الجسد. و سريان قوى روحانياتها في العالم كسريان الحرارة الغريزية
المنبثّة من القلب السارية في أعضاء البدن.
و أما سائر قوى روحانيات الكواكب، فهي لها كالجنود و الأعوان و
الخدم، كلّ ذلك بإذن الباري جل ثناؤه، و ذلك تقدير العزيز العليم، فتبارك اللّه
أحسن الخالقين.
ثم اعلم يا أخي أنها بمسيرها في حدود الكواكب في البروج، و شدة إشراق
نورها، و سريان قوى روحانياتها، تحطّ من الفلك إلى عالم الكون و الفساد، الذي تحت
فلك القمر، من قوى روحانيات الكواكب و الأفلاك و البروج، في كل يوم ساعة في درجة و
دقيقة، ألوانا من التدبير و التأثير غير ما في يوم آخر و ساعة أخرى، لا يبلغ فهم
البشر كنه معرفته، و لكن نذكر من ذلك طرفا ليكون قياسا على ما قلناه، و دليلا على
ما أوضحناه و وصفناه.
و ذلك أنه إذا سقطت نطفة في الرحم، فلا بد أن تكون الشمس في درجة من
برج من الأبراج، فإذا بلغت بمسيرها أربعة أشهر من مسقط النّطفة إلى