قال: لكثرة مآرب الإنس، و فنون تصاريف أمورهم، و اختلاف أحوالها،
فاحتاجوا إلى كثرة الملوك، و ليس حكم سائر الحيوانات كذلك.
خصلة أخرى أن ملوكهم إنما هم بالاسم من جهة كبر الجثّة، و عظيم
الخلقة، و شدة القوة حسب. و إن حكم ملوك الإنس ربما يكون بخلافه، و ذلك أنه ربما
يكون الملك أصغرهم جثة، و ألطفهم بنية، و أضعفهم قوّة، و إنما المراد من الملوك
حسن السياسة، و العدل في الحكومة، و مراعاة أمر الرعيّة، و تفقد أحوال الجنود و
الأعوان، و ترتيبهم مراتبهم، و الاستعانة بهم في الأمور المشاكلة لهم. و ذلك أن
رعية ملوك الإنس و جنودها و أعوانها أصناف و صفات شتى، فمنهم حملة السلاح الذين
بهم يبطش الملك بأعدائه، و من خالف أمره من الثوار، و الخوارج، و اللصوص، و قطّاع
الطرق، و الغوغاء، و العيّارين، و من يريد الفتن و يثيرها، و يريد الفساد في البلاد.
و منهم الوزراء و الكتّاب و العمال و أصحاب الدواوين و جباة الخراج،
و بهم يجمع الملك الأموال و الذخائر و أرزاق الجند، و ما يحتاج إليه من الأمتعة و
الثياب و الأثاث.
و منهم البنّاءون و الدهّانون و المزارعون و أرباب الحرث و النسل، و
بهم عمارة البلاد، و قوام أمر المعاش للكل.
و منهم القضاة و العلماء و الفقهاء الذين هم قوام الدين، و حكام
الشريعة التي لا بد للملك من دين و حكم و شريعة يحفظ بها الرعيّة و الأمة، و
يسوسهم و يدبّر أمورهم على أحكمه و أحسنه.
و منهم التجار و الصّنّاع و أصحاب الحرف و المتعاونون في المعاملات و
التجارات و الصّنّاع في المدن و القرى الذين لا يتم أمر المعاش و طيب الحياة إلّا
بهم، و معاونة بعضهم بعضا.
و منهم الخدم و الغلمان و الجواري، و الحجّاب، و الوكلاء أصحاب
الخزائن،